تفاجئنا المقاهي التي لا تغلق مبكرا،
وتربكنا الموسيقا السريعة
وهي تتسرب من بين أصابعنا،
وتباغتنا الذكريات
أكثر مما تفعل الأخبار الجديدة،
ونعجب من خطواتنا
البطيئة عادة
حين نجدها تسرع للحاق بآخر مترو..
.
هذه الأيام الرمادية
تطفئ الشوارع مصابيحها قبل أن نصحو،
وتضيئها قبل أن ننتبه،
وتحرقها قبل أن نشد على أيديها بامتنان..
المصابيح
أصدقاؤنا الصغار
الذين لم نعرف قدر محبتنا لهم
إلا بعد أن توقفنا عن قذفهم بالحجارة
بحكم السن ربما
أو بفعل استطالة القامة
التي جعلتها تبدو أكثر شبها بنا
مثل آباء عائدين من العمل..
.
هذه الأيام المتعجلة
تخذلنا حواسنا
فلا نشعر بثيابنا إلا حين نخلعها،
ولا تحضرنا كلمات الحب بكامل حروفها
إلا حين نرتكب الأخطاء التي لا تغتفر،
ولا نرى زجاجات البيرة
إلا حين تسقط
– فارغة وخفيفة كحياة مهدرة –
على الأرض،
ولا ندرك أن لأكفنا استخدامات متعددة
إلا حين تنفد بطاريات هواتفنا
نتساءل:
ماذا تصنع الهواتف في حياتها
عندما تنفد بطارياتنا
عما قريب..
.
هذه الأيام الكسول
نكتفي بدور المتفرج
على مشهد تسليم الورديات وتسلمها
بين الفكر والمشاعر:
نرى العلاقات مؤقتة
لكننا نعلق عليها أرواحنا
كمشاجب من هواء،
نرى المطاعم متشابهة
والطعام
والجوع
لكننا نتعثر
بسذاجة
في رغوة هشة نسميها “حيرة“،
نرى الزمان فقيرا
لكننا نظل نفسح الطريق لمروره،
ونحيلا
لكننا لا نكف عن البحث في ثيابه القديمة
عن شيء يناسب قياسنا،
وغير عادل
لكننا نغني
نغني ببلاهة..
.
قبل الثلاثين سأقول لكم
إن الشمس قد غربت
لأنني قد سحبت كفي الممدودة بينها وبين الأفق..
الشوارع استطالت
وأصبحت أنيابها تعض الروح بقسوة
لأنني قد كففت عن إطعامها من قدمي..
الموت اقترب
لا لأننا لم نمارس الحب بما يكفي
ولا لأن المشاعر التي كتمناها
نمت في أجسادنا كسرطانات،
ولكن لأننا أصبحنا ننام مثله مبكرا
ونمشي مثله على جانب الطريق..