مجموعة سعودي القانونية

محمد فتحى يكتب | اعتذار «باسم» أم اعتذار الهيئة الهندسية؟

محمد-فتحي

– فى أغسطس 2012، قررت «سى إن إن» ومجلة «تايم» منع التعامل مع فريد زكريا رئيس تحرير «نيوزويك» الأسبق، ومقدم برنامج «جى بى إس» على «سى إن إن»، وأحد أشهر الصحفيين والمحللين الأمريكيين، لمدة شهر لأنه اقتبس سطوراً فى مقاله من مقال آخر فى «النيويوركر» دون الإشارة إلى مصدره، وهو ما كشفه موقع على الإنترنت، ليُهاجم فريد زكريا الذى قدّم اعتذاره، وقبلت «تايم» هذا الاعتذار، لكن ذلك لم يرحمه من الإيقاف، ومن سخرية الكثيرين، ومع ذلك، فإن «فريد» موجود حتى الآن، وواحد من أشهر إعلاميى أمريكا.

– فى فبراير 2011، وبعد ما يزيد على أسبوعين من خلع «مبارك»، وبعد أحداث جمعة الوفاء، رفض بعض المتظاهرين إخلاء الميدان قبل إقالة حكومة أحمد شفيق، فتدخّلت عناصر من الشرطة العسكرية واعتدت عليهم بعنف، وكاد الأمر يتطور، لولا أن أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة البيان رقم 22، الذى جعل عنوانه: «اعتذار، ورصيدنا لديكم يسمح». كانت سابقة تاريخية تعد الأولى من نوعها فى مصر، ولاقى الأمر استحسان الجميع، لكن لم يُعاقب أحد على أى شىء.

– فى فبراير 2013، أصدر الجيش المصرى بياناً يعتذر فيه عن مقتل الطفل عمر صلاح فى محيط ميدان التحرير عن طريق الخطأ بواسطة أحد عناصر القوات المسلحة، وتعهد الجيش بمحاسبة المخطئ ومحاكمته عسكرياً، وقام بتعويض أسرة الطفل الذى كان بائعاً للبطاطا، ولاقى الأمر استحسان كثيرين رغم بشاعة القصة، لكن الاعتذار تم قبوله.

سردت الوقائع السابقة، لكى أسأل: أيهما أهم؟؟

اعتذار باسم يوسف عن المقال الأزمة، أم اعتذار الهيئة الهندسية عن اختراع روّج الأمل لمرضى فيروس «سى» والإيدز، قبل أن يتضح أن هناك تدليساً حدث ومُورس من اللجنة المشرفة عليه وفق ما أذاعه الزميل خيرى رمضان، وما نشرته «الوطن»؟؟

باسم يوسف أخطأ، واعتذر، مرتين، ولام نفسه، وقدم درساً لم يقدمه مثلاً صحفيون أمنجية، أو صحف تنشر أخباراً مُجهلة، وكاذبة، ومفبركة بالكامل، أو كتاب مدلسون، ورؤساء تحرير يخلطون الخبر بالرأى، والتحرير بالإعلان، وملحن كان أساتذته يتهمونه بسرقة الألحان وقت كانت تلك هى أكبر معاركه، ومع ذلك فتصفية الحسابات مع «باسم» مستمرة بناءً على رأيه السياسى الذى يخالفهم، أو تعريته لكثيرين، صحيح أنه أخطأ، إن لم يكن بسبب المقال فقط، فلأنه جعل هؤلاء يمسكون عليه فرصة، ويضعونها نقطة سوداء فى تاريخه، لكنه أعطى مثالاً وقدوة فى الاعتذار بشكل مباشر، وبعبارات واضحة، وباعتراف بالخطأ، والسؤال الآن لكل من يرفض هذا الاعتذار باعتباره حامى حما الصحافة المصرية الطاهرة ناصعة البياض، ورب المهنية فى الإعلام، متى ستعتذرون عن هجومكم على كل من انتقد جهاز الهيئة الهندسية وقد اتضح بعد الجلسات المبدئية للجنة العلمية المستقلة التى أمر السيسى بتشكيلها، أن الجهاز أقرب إلى «الفنكوش»؟؟

بل متى تعتذر الإدارة الهندسية نفسها عن خطئها الفادح فى هذا الملف، ومكابرة اللواء طاهر عبدالله فى عدم الاعتراف، ولو بالتسرع، فى إعلان الأمر قبل التأكد منه؟؟ ومتى تعترف اللجنة التى قالت إنها أجرت تجارب -وفق ما تقتضى الأعراف العلمية- على الشمبانزى، ليتضح أن الشمبانزى فى حالة الإيدز ليس هو الحيوان المناسب، وهى معلومة نشرها د. محمد المخزنجى فى مقاله بـ«المصرى اليوم». وأشارت إليها لجنة السيسى المستقلة، ليتضح (كذب) اللجنة التى قالت إن التجارب أجريت فى جنوب أفريقيا، ليتضح أن جنوب أفريقيا ليس بها شمبانزى، وبالتالى فالنتائج (فشنك)، فى واقعة مؤسفة تثبت أن اللجنة (فى الضياع)..

سيقول أحدهم: وهل تقارن باسم يوسف بالجيش؟؟

وسيقول آخر: لو قبلنا اعتذار «باسم»، فلماذا لا نقبل اعتذار مبارك أو الإخوان؟؟

وأرد بالمثل الشهير: حين تشير بسبابتك إلى مكان ما، فإن الأحمق هو من ينظر إلى إصبعك وينسى إلى ماذا تشير.

هناك من أخطأ واعتذر، وتم اعتبار اعتذاره شيئاً عظيماً، وتصرفاً حضارياً.

وهناك من أخطأ واعتذر، وتمت المزايدة عليه بعد الاعتذار، لاعتبارات كلنا نعرفها.

وهناك من أخطأ ولم يعتذر بعد، وبدلاً من أن نطالبه بالاعتذار جميعاً، وبأن يعتذر من دعمه بالباطل منا، راح كثيرون يمارسون هوايتهم فى توزيع صكوك الخطايا أو الغفران.

الاعتذار شىء محترم، والمزايدة على المعتذر الذى لم تلوث يده بدم شىء مستفز، وستعلمون عاقبته ولو بعد حين.

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:الوطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *