مجموعة سعودي القانونية

محمد فتحى يكتب | التشويش على الشهداء

محمد-فتحي

لم يحدث التشويش على برنامج باسم يوسف وحده، بل حدث أيضاً على الشهداء.

فى نظريات الإعلام نظرية شهيرة اسمها ترتيب الأولويات، تفترض فى وسائل الإعلام قدرتها على ترتيب أولويات المتلقين سواء كانوا قراء أو مستمعين أو مشاهدين، والواقع أن الخبر الأكثر رواجاً أمس الأول على أحد أهم المواقع الإخبارية فى مصر هو خبر القبض على الراقصة صافيناز، ثم خبر التحقيق معها، ثم تصريحاتها فى التحقيق، ثم الفيديو الذى سُجل معها بعد التحقيق والتى تتهم فيه محامياً بأنه كان يريد منها شيئاً لم تذكره وتركته لعقل وخيال الناس، وهى تردف فى براءة، وبعربية: صافيناز موش بتاع كلام ده. هذا نموذج لترتيب الأولويات، حيث قدم الإعلام درساً فى كيف يصنع من موضوع تافه، بطلته راقصة، قصة كبيرة، ويقدم تفصيلاتها ومتابعاتها فى اليوم نفسه الذى كان فيه طلاب صيدلة المنصورة يصرخون على شبكات التواصل الاجتماعى مخاطبين إعلاميين وكتاباً للحديث عن زملائهم الذين تم القبض عليهم/اعتقالهم/اختطافهم، وتم توجيه/تلفيق تهم إليهم، رغم أن بعضهم معروف بعدم انتماءاته السياسية، وبأنشطته الخيرية، بل إن منهم من جمع استمارات «تمرد»، والغريب أن الزميل خالد صلاح نادى بحملة للإفراج عن الطلبة المعتقلين، والأغرب أن الموقع الذى يرأس تحريره لم يهتم بحملته مثلما اهتم بصافيناز ومتابعات أخبارها، والأغرب والأغرب أن أحداً لم يتضامن مع الحملة من المواقع والصحف الأخرى، بل وجد خالد نفسه عرضة للتفتيش فى النوايا والاتهامات والشتيمة، لكن فجأة، يحدث فى نفس اليوم تشويش على برنامج «البرنامج» لباسم يوسف. والذى يذاع على «إم بى سى مصر»، فتحدث معركة جديدة حيث يسارع البعض باتهام الجيش بأنه وراء التشويش، بينما يسارع البعض الآخر لاتهام باسم يوسف ومحمد عبدالمتعال رئيس «إم بى سى مصر» بأنهما من يصنعان التشويش!!! قبل أن تخرج أخبار (مُجهّلة) نسبة إلى خبراء (مجهولين) تفيد أن التشويش من داخل القناة، وهى الأخبار التى لم تجد صدى سوى عند كارهى باسم، تماماً مثل اتهام الجيش الذى لم يلاقِ صدى سوى عند الناقمين على الجيش وكارهى السيسى.

هنا خطورة الموضوع. اللقطة التُقطت بالفعل، ولن يجدى معها شىء. حتى لو أُعلنت الحقيقة، سيظل فى الوعى الجمعى لدى قطاعات عريضة أن التشويش رسمى، رغم أن باسم يوسف نفسه قال إنه لا يتهم أحداً، وإنما فقط يتساءل عن عدم قدرة الدولة على السيطرة على هذا التشويش، وهو التساؤل المنطقى، حيث لا يقنعنى أبداً قيام مجموعة هاكرز على الفيس بوك بإعلان مسئوليتها عن التشويش، لأنه يثبت أن بائعى الحرنكش قد ينجحون يوماً فيما يظنه البعض مستحيلاً.

فتّش عن ترتيب الأولويات، وتعالَ لأحكى لك قصة جنود كانوا يقفون عند كمين فى مسطرد فى ذات اللحظة، ولربما كان يتناهى إلى مسامع أحدهم صوت لعنات بعض الجالسين على المقاهى القريبة بسبب التشويش على البرنامج، ولربما كان أحدهم يحلم بيوم الإجازة الذى سيلاقى فيه أهله، ولا يعرف أن بعدها بساعات سيلطم أهله على الخدود ويبكون ويصرخون لأنه قُتل فى هجوم على الكمين. سيزايد البعض باسمه على من يتحدث عن تشويش البرنامج ناسياً إياه، ويبكيه أهله، ويتحول فى الإعلام إلى رقم، وفرصة جديدة لكيل السباب واللعنات على الإخوان الإرهابيين الذين سيخرج أحدهم ليعلن شماتته، ويخرج آخر من قيادييهم ليتبرأ من الحادثة، ويلوم على الجيش اتهامه للإخوان، وسيمضى الإعلام فى الأمر لعدة ساعات تنتهى بنقل تقرير عن جنازة الشهداء وتصريحات المتحدث العسكرى، قبل أن يعود للحديث عن مستقبل صافيناز، وسيتناسى طلاب صيدلة المنصورة لأننا فى حرب، بينما يتذكر التصريحات والملاسنات حول التشويش على البرنامج، وتواصل شبكات التواصل الاجتماعى (الهرى) والاتهامات والتصنيفات، ثم بعدها تنزع (الفيشة) تماماً لتوضع (فيشة) جديدة اسمها موعد استقالة السيسى وترشحه للرئاسة ليبدأ فصل جديد من الهرى.

وآه يا بلد بدون أولويات، تطلع فيك أخبار تلهيك بالحرب على الإرهاب، قبل أن تهتم بصافيناز، وتزايد على غيرها باسم الشهداء، قبل أن تعود لتسأل: من شوّش على البرنامج!!

 

 

 

 

 

المصدر:الوطن

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *