محمد فتحى يكتب | ظابط بجد وظابط لا مؤاخذة
كل المهن فيها المحترم وغير المحترم، كل المهن فيها أصحاب الضمائر الحية، وأصحاب الضمائر العفنة التى شدوا عليها السيفون.
كل المهن فيها أصحاب المبادئ وفيها أصحاب المصلحة، وسواء كنت مهندساً ستجد هذه الأصناف، أو محامياً، أو طبيباً، أو حتى لو كنت كاتباً، ستعرف أن هناك «كاتب بجد»، و«كاتب لا مؤاخذة».
لكن كل هذه المهن كوم، ومهنة ضابط الشرطة كوم آخر..
هناك ضابط بجد، يضع حياته فوق كفه، ينزل من بيته مدركاً أن الموت على موعد معه، وأن القدر قد يلغى الموعد، أو يؤكد عليه، فيسقط شهيد الواجب، وأمامه تومض فلاشات سريعة، تريه أبناءه يبكون من أجله وزوجته ترتدى السواد، وأمه تصرخ لفراقه، ووالده يحتضن جسده فى غير تصديق، وزملاءه يتسابقون لحمل نعشه، وناس لا تعرفه تبكيه وهى تدعو له بالرحمة، وتدعو على قاتليه.
وهناك ضابط لامؤاخذة، يصر على استغلال سلطته، وتجاوز القانون، وإلقاء القبض العشوائى على الناس، بمن فيهم من أبرياء، والاعتداء على المتهمين، ويجد من يدافع عنه من الناس اللامؤاخذة والكتاب اللامؤاخذة، بل ومن يبرر أفعاله من مهاويس القبضة الأمنية والكتاب بالأجنحة، وهؤلاء يجب أن يحاسبوا.
هناك ضابط بجد، يحلم دائماً بتطبيق القانون على الجميع، يقف فى الكمين، مقسماً أن يقدم حياته فداء لبلده، وحين تمر إحدى العربات أو الموتوسيكلات وعليها بعض الإرهابيين، يقف عارى الصدر أمامهم محاولاً منعهم من المرور، وحمايتنا من شرورهم، ويتعامل معهم، وفى ذهنه اللعبة التى أحضرها لابنه، وابنته التى يحلم أن تكبر فى وطن نظيف لا يخاف عليها فيه، ويد أمه التى لا يصبح يومه جميلاً لو لم يقبلها طالباً دعواتها، وجيرانه الذين يقولون له (يا باشا)، فيرد عليهم أنا فلان، وإحنا إخوات، فينظرون له بإعجاب داعين له أن ينجيه المولى عز وجل، وسائق التاكسى الذى يقول له الله يباركلك، لأنه دفع العداد كاملاً، ولم يستغل بدلته الميرى فى أكل حقه، وسيدة عجوز لا يعرفها، قالت له ذات مرة: «ربنا يباركلك يا ابنى»، لأنه (عداها) الشارع، بينما كانت ضائعة ومرتبكة وسط الزحام.
وهناك ضابط لامؤاخذة لا يتردد فى تعذيب المتهمين وصفعهم وضربهم، وشتيمتهم وسب الدين لهم، وتلفيق القضايا فى محاضر قذرة، وتأجيل تسليم تحرياتهم للنيابة ليظلوا أكبر فترة ممكنة خلف القضبان. ضابط لامؤاخذة قد يظن أن ما يفعله انتقام لزملائه الشهداء، بينما هم لو كانوا أحياء لنهروه عما يفعل وأوصوه بالحق والعدل، لأنهم يخافون يوماً سيقفون فيه بين يدى الله، فيسألهم عما جنت أيديهم، وعما آلت إليه أفعالهم.
هناك ضباط بجد، على راسنا، أهلهم أهلنا، أولادهم أولادنا، مقصرون نحن فى البحث عنهم وتقديم نماذجهم فى الإعلام، أو الكتابة عنهم فى المقالات، ويعانون هم من أفعال زملائهم اللامؤاخذة التى تسىء إليهم، فتجعل الجميع لا يثق فى الشرطة ويظلمها رغم وجود العديد من الضباط المحترمين فيها، وذلك لأن حتة ضابط لامؤاخذة، تجاوز، ووجد ناس لامؤاخذة، تبرر له أفعاله، وتشجعه على القذارة بما لهم من تاريخ فيه.
هناك ضابط بجد يدرك أن أحداً من النشطاء لن يرسم له جرافيتى فى التحرير، وأن الوزارة لن توافق على رسم جرافيتى له على أسوارها، ولن يخرج زملاؤه المحترمون فى مسيرة تهتف باسمه، ولن ترفع صورته فى مدرجات الاستاد فى مباريات فرق اتحاد الشرطة أو الداخلية، ولن يسمى الشارع الذى يسكن فيه باسمه، ولن يذكره أحد فى برامج التوك شو، وسيختصرونه فى اسم أو رقم، ومع ذلك لا يعبأ بكل ذلك، وينزل من بيته ليؤدى واجبه.
وهناك ظابط لامؤاخذة سينظر له، وهو يحاول تطبيق القانون وهو يقول له: إديهم بالجزمة، دول ولاد كذا وكذا، وسيذكره بأن هؤلاء هم من قتلونا، وهم من هددونا، وهم من قتلوا زميلنا فلان، والجندى علان، فهيا نقتص منهم، لكن الضابط المحترم المؤهل نفسياً، والذى يضع أمامه حساب الله له سيبتسم له ويقول إننا نطبق القانون، وها قد ألقينا القبض على المجرم، ولتأخذ العدالة مجراها.
هناك ظابط بجد، نضرب له تعظيم سلام، نشيله فى عنينا، نشيد به وبما يفعله، وإن قصرنا يجب أن نلام، ونرضى بلوم العقلاء وليس المهاويس بتوع نظريات مؤامرة، وهناك ضابط لامؤاخذة ننتقده، وسنظل، مهما فعلت كلاب الحراسة وكلاب السكك، ومهما زعم البعض أنها حملات ضد الداخلية. هناك ضابط بجد، نريد أن نبحث عنه، ونقدمه نموذجاً، وقدوة، ومثلاً أعلى لأولادنا، وهناك ظابط لامؤاخذة يجب أن ندعو لعلاجه نفسياً هو ومن يشجعه على ما يفعله.
الفاتحة لكل شهيد.