كتبت كثيراً عن جهاز المخابرات العامة المصرية، لم أكن أتصور أن أغلب كتاباتى عنه كانت فى صورة نقد حاد بسبب قياداته أحياناً، وبسبب تصرفات تشم فيها رائحتها فى أحيان أخرى، لأن المكانة التى توجد فى قلوبنا للمخابرات المصرية عظيمة وضخمة.
بعد النكسة تمت محاكمة صلاح نصر، مدير الجهاز الأسطورى والشهير، فى القضية الشهيرة بفساد جهاز المخابرات، رغم أن الكثير من تلاميذه ظلوا يعملون ويدينون له بالفضل، لأنه بعيداً عن مخالفاته يعد الأكثر تأثيراً على الجهاز والأبرز فى تأسيسه وتنظيمه بصحبة رجال أفذاذ لا نعرف حتى أسماءهم الحقيقية، وظل البعض يخاف من مجرد المرور بجانب أسوارها، لكن بفضل أعمال أدبية ودرامية للراحلين العظماء صالح مرسى وماهر عبدالحميد، ثم بمجهود ضخم من أستاذى د. نبيل فاروق بدأنا نعرف أحمد الهوان ورفعت الجمال وقصص الصعود إلى الهاوية وسامية فهمى، وصرنا نعشق شخصية أسطورية حفرت بصماتها فى أرواح أجيال، وهى شخصية أدهم صبرى ضابط المخابرات المصرى الملقب بـ«رجل المستحيل» الذى أبدع نبيل فاروق فى وصفه، ثم اهتزت بشدة صورة الجهاز بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتورط قادتها السابقين فى لعبة السياسة القذرة، لنكتشف ضحالة بعضهم، وتواضع البعض الآخر، لدرجة شككتنا فى المثير من ثوابتنا، لا سيما فى الأدوار التى لعبها كل من يحمل صفة خبير استراتيجى وأمنى لمجرد أنه كان ضابطاً أو وكيلاً للمخابرات، وكأن ذلك يسمح له بـ(الفتْى) و(الهرى) والنزول من حنفيات البرامج، ليشتبك كثير منا مع أسماء صارت مقررة علينا فى حياتنا بعد أن كان اسم مدير الجهاز مجهولاً لدى الجميع.
ثم خرجت أعمال درامية ركيكة، وفيلم وثائقى ضعيف لمحاولة تحسين صورة الجهاز، وتسبب ذلك فى مقارنة تلك الأعمال بالصورة الكاريكاتورية التى صنعتها نادية الجندى للجهاز حين مثلت دور عميلة للمخابرات المصرية وهى تردد كلمة السر: «خالتى بتسلم عليك»!!!
لماذا أكتب كل ذلك؟؟
أكتب كل ذلك لأقول للقيادات هناك: حرام.. لا تتورطوا فى السياسة. حجِّموا كل من يتكلم باسمكم مختبئاً خلف صفة وكيل الجهاز سابقاً، وأعيدوا علينا سرد أحداث لا يعرفها أحد، عن بطولات رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
لا أطالب باستخدام نفس قانون الإفراج عن الوثائق والمعلومات الذى تتبعه الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، بكشف العديد من المعلومات كل فترة وفق القانون تتراوح بين 25 و50 عاماً وتصل أحياناً لـ75 عاماً، لكن أطالب فى ذكرى الاحتفالات بحرب أكتوبر بأن تكشف لنا المخابرات عن دورها العظيم فى هذه الحرب، وأن توكل لمن يستحق فرصة الكتابة عن عملية عظيمة مثل عملية خرائط النابالم التى لا يعرف أحد كيف تعاملت معها المخابرات المصرية بمنتهى الحنكة والمهارة، وكيف كان محمد نسيم ابن الجمالية ضابط مخابرات فذاً، ومن طراز رفيع يشهد به العالم، وكيف كان الفريق أول رفعت جبريل ثعلباً حقيقياً قبض على الجاسوس الإسرائيلى باروخ مزراحى، وكيف طاردته وحدات «الموساد» فى الصحراء حتى استطاع العودة بالجاسوس الذى بادلته مصر بفدائيين فلسطينيين.
اجعلوا من قصص البطولات مقررات دراسية لطلاب الإعدادية والثانوية، وعرفوهم على صفحات عظيمة من تاريخنا لا تزال حبيسة الأدراج لأن الأمر على ما يبدو يدار بالعقلية القديمة، للدرجة التى تجعل إسرائيل تشكك بين الحين والآخر فى أشرف مروان، ورفعت الجمال، بينما المخابرات المصرية تلتزم الصمت.
نحن فى انتظار الكشف عن بطولاتكم المتعلقة بحرب أكتوبر فى هذه الأيام العظيمة، ليعلم الناس أن المخابرات العامة المصرية فيها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأن بطولاتهم لا تفنى، ولا تستحدث من عدم، ولن ينساها أحد أبداً
كما أننا فى انتظار أن تتفرغوا -فقط- للصراع مع أعداء مصر فى الخارج، والداخل.. وهم أكثر من الهمّ على القلب
ممكن؟؟
المصدر: جريدة الوطن