مجموعة سعودي القانونية

 محمد فتحى يكتب | اختراع الجيش والعقلية الشيش بيش

محمد-فتحي

لست من أهل العلم والاختصاص فى موضوع الجهاز الشهير الذى أثار كل هذا اللغط بعد أن عقدت القوات المسلحة مؤتمراً صحفياً لتؤكد فيه أنها ابتكرت جهازاً لعلاج الإيدز وفيروس سى، ولذلك احترمت موقف المتخصصين مثل د.خالد منتصر، الذى كتب مقالين مهمين كاشفين، ناقش فيهما الموضوع بهدوء، ومنطق، وعلم، ودون تخوين، بعيداً عن السخرية المقيتة التى نالت الموضوع، والتى لم أتفهم الكثير منها لاعتبارات كونها تأتى من هؤلاء الذين يتمنون كل شر للجيش المصرى.

الجيش المصرى ليس جيشاً من الملائكة، لكنه ليس جيشاً من الشياطين، وتصفية الحسابات التى تتم معه عبر العديد من شبكات التواصل والأصوات العالية لا يمكن وضعها كلها فى إطار (حُسن الظن) كما لا يمكن أن نصف أصحابها بالخونة، ولذلك أرجو أن نهدأ قليلاً لنراجع بعض النقاط التى يجب أن نتفق عليها فى موضوع الاختراع الذى يحلو للبعض أن يصفه بـ«الفنكوش».

فأولاً: الاجتهاد مهم، والعمل على تطوير ابتكارات واختراعات داخل القوات المسلحة شىء يجعلنا نحترمهم، ونثمن ما يفعلونه.

وثانياً: لا يزال الجيش يعانى من (تسويق) نفسه إعلامياً، ولديه خلل فى اختيار الواجهة التى تتحدث باسمه فى الإعلام، أو تخرج فى المؤتمرات الصحفية، ولا أظن أن إبراهيم عبدالعاطى واجهة إعلامية مناسبة للجيش المصرى حين يقدم مثل هذا (الابتكار) فى مؤتمر صحفى.

وثالثاً: التورط فى عبارات رنانة وفضفاضة تعطى أملاً لملايين المرضى ليس وظيفة الجيش المصرى، وقد أضر المؤتمر الصحفى بالجيش أكثر مما أفاده، ولهذا نسأل: وماذا لو صبر الجيش لحين إتمام المراحل العملية لتجربة الجهاز واعتماده عالمياً، ولماذا اختيار هذا التوقيت السيئ، والأسلوب الأسوأ، والواجهة الأسوأ والأسوأ فى تقديمه.

ورابعاً: فى الأبحاث العلمية، لا يعتد بالبحث إلا لو كان محكّماً من لجنة علمية نزيهة، ومنشوراً فى دوريات علمية عالمية محكمة، لديها بالضرورة لجنة أخرى لإجازة مجرد البحث، فما بالك باختراع كان يجب أن يمر بمراحل كثيرة قبل الإعلان عنه، وما بالك بخطوات لم تسوّق بشكل صحيح فى البداية، فكانت هذه النتائج المخجلة؟؟

وخامساً: التفتيش فى التاريخ العلمى والأكاديمى لأى عالم أو طبيب يتعامل مع الجيش المصرى فرض عين على المخابرات الحربية، وعلى الشئون المعنوية التى تعد بمثابة جهاز الإعلام العسكرى، وكلاهما يجب أن يقدم تقريراً بتاريخ هذا الفريق، ومن منهم يصلح للحديث باسم الجيش، ومن لا يصلح، ومن فيهم مجرد حديثه سيلبس الجميع فى حيطة.

وسادساً: لماذا التسرع فى (حشر) اسم عدلى منصور وعبدالفتاح السيسى بصفتيهما فى هذا الموضوع؟؟ ألم يكن من الأحرى أن نبتعد تماماً عن أسلوبنا المعتاد والركيك لنسب كل شىء لأى قيادة لمجرد إشعار الجميع بأن هناك إنجازاً قد تم، وهو ما لم يتفق عليه الجميع حتى هذه اللحظة، فالإنجاز لا يختلف عليه أحد بالمناسبة، أما ما حدث فهناك قصور وخلل يجب أن يحاسب فيه الجميع.

وسابعاً: لم يعجبنى موقف د.عصام حجى المستشار العلمى لرئيس الجمهورية الذى كان يمكنه لفت نظر الجميع بعيداً عن (الزياط) الذى فعله، وفى الوقت نفسه، لم أحترم حملة التشويه والتخوين التى لحقت بالرجل بعد أن فعل ما فعل. الرجل أخطأ لكنه ليس خائناً ولا «طابور خامس».. عيب.

وثامناً: ابتكر الجيش الأمريكى – بحسب وكالات الأنباء ونقلاً عن موقع «العربية نت»- بيتزا صالحة للأكل لمدة ثلاث سنوات.. فهل تعتقد سعادتك أن هذا يستحق السخرية أم الاحترام؟؟ إجابتك ستجعلك تعيد التفكير بأمر اختراع الجيش المصرى.

وتاسعاً: هل سيعتذر الجيش أو يوضح الأمور أو يعدل من آثار ما حدث، وهل سيتعلمون من هذا الدرس القاسى مستقبلاً، أم سيكابر قادته ويجعلوننا نلبس فى حيطة ثانية.

والأهم من كل ذلك: ماذا لو حدثت المعجزة، وكان الجهاز حقيقياً، وتم اعتماده عالمياً، واتضح أنه معجزة طبية.

هل سيعتذر كل من شكك فى الجهاز؟؟

فى رأيى أن الجيش ملزم بتوضيح الأمور، وإزالة كل لبس، وأن هؤلاء الذين انتقدوا ما حدث لما ساءهم من سوء تنظيم وسوء عرض وسوء توقيت وسوء اتباع للخطوات العلمية يستحقون الاحترام، ولن ينتظر منهم أحد اعتذاراً لأنهم يحترمون أنفسهم وعلمهم.

 

 

 

 

 

المصدر:الوطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *