محمد فتحى يكتب | ما الذى ينتظرنى فى النهاية؟؟
كثيراً ما أسأل نفسى هذا السؤال، لا سيما مع التغيرات الحادة التى أراها فيمن حولى مع مرور الوقت، حيث البدايات يستحيل أن تؤدى إلى تلك النهايات الغرائبية، والمعطيات يجب ألا تعطى هذه النتائج المزعجة، لأتصور نفسى جالساً أكتب هذا الكلام ويقرأه أحدهم الذى يغمغم بكلام على منوال: أنت منهم!، فلماذا تستثنى نفسك، لكنه سيكتب فى يوم ما كلاماً مشابهاً، ليؤرقه نفس السؤال، ويتمتم أحدهم بعد أن يقرأه: أنت منهم!، ولا تنتهى الدائرة بقدر ما تتسع رغم إدراك الجميع أنها فى لحظة ما، ستغلق على كل من فيها على نفس النتيجة التى وصلوا لها، والتى تتلخص فى سؤال كل واحد منهم: ما الذى ينتظرنى فى النهاية؟..
ينتظرنى مرض.. سيأتى شرساً مزعجاً، يباغتنى وقت لا أكون مستعداً له، فالمرض لا يواجهك أبداً.. أجبن من أن يخبرك من قبلها أنه سينتظرك على قارعة الطريق. تفاجأ بالسرطان فى لحظة، أو بالكبد، أو بإصابتك بالسكر وغيبوباته التى تثق ثقة غريبة فى أن إحداها ستنهى حياتك، أو تبتر من جسمك جزءاً عزيزاً.
ستستهلكك التحاليل وزيارات الأطباء، وتستفزك مصمصات شفاه القريبين منك، وتتشبث بأقل أمل حتى لو لم يكن حقيقياً، وتستنزفك مصاريف العلاج وتصاريف القدر التى تجعلك تفكر فيما سيحدث فى هذا العالم من بعدك، وفى التزامات توفيها لأصحابها، وفى عائلة ستفتقدك. صحيح أنك ستصل إلى أن الحياة ستستمر، لكن من قال إنك سترحل دون أن تحمل معك أعباء غيرك حتى لو كان المفترض أن يواصلوا هم حملها كما حملت أنت أعباء سابقيك الذين تركوك؟؟
ينتظرنى فقر.. يجلس ناظراً إليك من بعيد، مبتسماً لك، منوهاً بين الحين والآخر عن تنازلات ما لم تقدمها له أو لغيره حتى يصيبك إصابة مباشرة. لن تتنازل وسيضحك حتى تبدو نواجذه. ليذكرك بقواعد المنطق فى عمل لا يعرف الاستقرار، والتزامات لا تنتهى، وظرف اجتماعى واقتصادى أصاب غيرك، فلماذا لا يصيبك.
يهاجمنى دائماً نموذج صديقى الذى كان يعمل فى السياحة. رفس وظيفة الحكومة من أجل العمل الحر، وظل فرحاً بما لديه حتى رفسه عمله، لتتبدل حياته تماماً، يبيع سيارته، ولا يجد عملاً يدر له نفس الدخل، فيضطر لإخراج أبنائه من المدارس الخاصة ليلحقهم بمدارس حكومية، يضطر معها لأخذ دروس خصوصية تجعل ميزانيته محدودة، وتجعله يراجع نفسه قبل أن يشير إلى تاكسى أو حتى ميكروباص، منتظراً أوتوبيس النقل العام أو مستقلاً المترو فى كل مشاويره، ليكتئب ويتحول مع مرور الوقت إلى مسخ يلومه أقرب الناس إليه على ما ضيعه، ولا يساعدونه أبداً.. بعد قليل سينتهى تماماً، لأنها مسألة وقت ليس أكثر، ولأن صدمته النفسية أكبر بكثير من أن يواسيها أحدهم بأن يقول مدعياً الحكمة: «مفيش حد بيموت من الجوع»، أو «مفيش حد بيبات من غير عشا»!!
ينتظرنى سجن.. العاملون فى مهنتنا ينتظرون السجن مهما ظنوا أنهم أمنوا العقاب، ويعيشون فى سجن كبير باتساع الوطن، لكن السجن الحقيقى والأكبر فى داخلهم. والسجن الذى سيدخلونه سيدفعون به ثمناً لأى شىء تافه لا يستحق، لأننا تعلمنا أن الخطايا الكبيرة لا أحد يحاسبك عليها سوى الله.
تنتظرنى سقطة.. غلطة كبيرة يقع فيها دائماً الذين يمشون على حبل الحياة محافظين على توازنهم لأكبر وقت ممكن حتى اللحظة التى يزلون فيها بإرادتهم أو رغماً عنهم. هناك من يحاول دائماً أن يقطع الحبل، كما أن الحبال لم تعد بتلك الجودة القديمة.
سنسقط ولو بعد حين، سنسقط ولو لم يكن ذلك بأعيننا ففى عيون الآخرين، سنسقط لأن هناك لحظة يسقط فيها الجميع، ونحن جزء من هذا الجميع.
ينتظرنى، وينتظرك، ألمٌ ما.
شعورٌ بأنك غير مكتمل بعد كل ما تفعل. بقايا حب قديم. ذنب عاد ليذكرك أنه لم يمت، وأنك لم تتب عنه. موعد فات ولن تستطيع تلبيته مهما فعلت. صلاة لم تصلها، شعور بالذنب تجاه أحبابك، بهجة حياة لم تستمتع بها كما يجب لانشغالك بالبحث عن غيرها. سعادة تغادرك بلا رجعة، صديق لم تصادقه، وصديق تركته، وحبيبة آلمها أنك لم تحبها أو تحب فيها ولو محبتها لك.
ينتظرنى حساب لا أريد أن يأتى لثقتى فى تقصيرى.
لكن أملى فى رحمة الله التى غلبت غضبه، ووسعت كل شىء، يجعلنى أشعر أنه مهما كان ما ينتظرنى، فيكفى أنه سينتهى بلقاء ربى، والقلب اشتاق للقاء الله على خير، لكن استعدادى لا يكفى حتى الآن.
فاللهم أعنّى على أن ألقاك وأنت تحبنى وراض عنى ومحسن لخاتمتى وقابل لى فى عبادك المخلصين، ومسكناً إياى إلى جوارك مع النبيين والصديقين والشهداء والأبرار..
وحسن أولئك رفيقاً.