اسمها مريم نبيل فهمى.
سنها 12 سنة.
كل ما تعرفه أنها كانت فى طريقها للفرح، وأن الفرح داخل كنيسة، وأن بيت الرب -فى الغالب- آمن، لكن لم تكن تتخيل أن تسكن جسدها 13 رصاصة.
صحيح هى ذهبت لفرح آخر نسأل الله أن تزفها فيه الملائكة إلى الجنة، لكنها بالنسبة لأهلها ماتت.
وبالنسبة للإعلام أصبحت رقماً ضمن الضحايا.
وبالنسبة للأحلام أصبحت زبونة سحبت رصيدها واكتفت بكابوس الواقع الذى أودى بحياتها.
مريم لم تكن جزءا من أى معادلة سياسية حتى تقتلوها.
مريم لم تعتصم أو تقطع طريقاً أو تحمل سلاحاً أو تهدد حياة أحد.
مريم لم تدخل الاتحادية لتخلع مرسى، ولم تكن سبباً فى فض اعتصام رابعة، ولم تكن تتخيل أن هدية شخص لا تعرفه ولم تلتقه فى حياتها يوماً هى 13 رصاصة تسكن جسدها.
مريم مثل شيماء التى ماتت فى التسعينات بسبب حادث إرهابى مشابه من مجموعة من الإرهابيين الحقراء الذين أفرج عن بعضهم رئيس سابق خلعه الناس بمعاونة الجيش، لكن أنصاره قرروا أنهم سيحكموننا أو يقتلوننا، كما قرروا أن ندفع جميعاً سبب فض اعتصامهم، وأن نكون هدفاً لانتقامهم، أو شماتتهم، أو سخريتهم، أو اتهاماتهم، أو بذاءاتهم، أو تخوينهم، أو كل مشاعرهم السلبية التى لا تستقيم إلا بحكم يتولونه فيحكموننا بفشل ندفع ثمنه حين نواجهه، ونحمل مسئولية دمائهم التى أراقوها قبل الفض حين أرادوا أن يسحقونا وأصدروا فرماناً بأنها معركة ضد الإسلام، وبأننا قتلة ونعين القتلة على قتلهم، وبالتالى لا أصدق أحداً يعفيهم من مسئولية كل ما يحدث الآن، والذين يبررونه بأننا نفعله، وأن المخابرات تصنعه لكى يلبسوه، بينما الواقع يؤكد أن كل ذلك لم يحدث إلا بعد خلع فاشلهم وحبس مرشدهم.
عام كامل التمسنا فيه العذر فى أوله لرئيس مدنى منتخب، وتحملنا تخوين وشتيمة أصدقائنا ونحن ندعمه أملاً فى تجربة ديمقراطية حقيقية، ورغبة فى استقرار البلد، لكن خلال هذا العام لا قام الملثم بتفجير خط الغاز، ولا كانت هناك عمليات إرهابية، وحتى الجنود الذين تم خطفهم أعيدوا مع الحرص على سلامة الخاطفين بنص كلام مرسى، ثم تريدنى الآن ألا أكترث بدماء مريم وعشرات غيرها، ولعلك تتهمنى بأننى حريص على دمها لكننى لم أتكلم عن دماء «رابعة» لتدرك حقارتك ونذالتك وأنت تحول الموضوع لدمنا ودمكم، ولتثبت أنك مستعد للقبول بأى شىء انتقاماً لما حدث حتى لو كان 13 رصاصة فى جسد بنت عمرها 12 سنة، بمعدل رصاصة عقاب لها على كل سنة عاشتها فى هذا البلد المحزون، ورصاصة لعام لم يأت عليها بعد، ولم ترده أنت أن يأتى.
لا تخبرنى أنك غير مسئول أو ضالع أو متورط فى كل الأحداث الإرهابية التى تحدث. لا تردد هراءاتك الخاصة بأن المخابرات هى من تفعل ذلك فلماذا لم تفعله أيام مرسى نفسه؟! ولا تتمادَ فى تبريراتك، أو تصدر تصريحاً أصفر تعلن فيه إدانتك للعنف وتشهد منصتك غير المأسوف عليها على تحريضك، ولن ننسى ذلك أبداً.
لا تقنع نفسك أن مريم تستحق الثلاث عشرة رصاصة، ولا تقارنها بابنة البلتاجى، أو ابنة مستشار مرسى اللتين نعاهما كاتب هذه السطور فى نفس هذا المكان ولم يفعلها أحد من كتابكم أنفسهم، فحتى لو قارنتهن سيبقى الأمر مجرد رصاصة.. مقابل 13 رصاصة، أما النتيجة، فهى أن هناك أبرياء يدفعون الثمن دائماً.
كنت أود أن أتحدث عن تقصير الداخلية التى لم تضع حراسة -كديدنها- على أبواب الكنيسة، والحكومة الفاشلة العاجزة التى لا تدير الأزمة بشكل يسمح لها -بأضعف الإيمان- أن تضع كاميرات على الأماكن المستهدفة، والملف الأمنى الذى أصبح منذراً بكوارث أخرى قادمة ما دامت الكوارث التى مرت لم يحاسب عليها أحد..
كنت أريد أن أتحدث عن عجز حكام هذا البلد عن إدارته وهم يفرضون حالة الطوارئ.. أمال لو مش فارضينها؟؟!!!
لكن 13 رصاصة فى جسد مريم أولى بالحديث…
ويبقى ألم الإتيان بحقها، فما أنا مؤمن به تماماً هو أنك إذا لم تأت بحق الأولين، فلن تأتى بحق الآخرين..
أبداً.
مريم