من لا يقرأ أو لا يستمع للقرآن الكريم بشغف فهو يفقد الكثير. فضلا عن السكينة، فهو منبع لا يخطئه عقل للحكمة. وهو متعة حقيقية لمن يريد أن يفهم ليس فقط حوادث التاريخ، ولا تسلسلها ولكن أيضاً فلسفته، وهذا هو الأهم كما قال الفيلسوف الألمانى هيجل.
لفت انتباهى أن صفات الأمم المنهارة أخلاقيا متشابهة للغاية وكأنها بالفعل سنن الله فى خلقه.
ولفت نظرى أكثر ثلاث آيات أراها الأكثر ارتباطا الآن:
الأولى: «كلما دخلت أمة لعنت أختها»، ورغم أن سياق الآية فى سورة الأعراف يتحدث عن تلاوم الداخلين إلى النار -نستعيذ بالله منها- فإنها تعبر بصدق عن طريقة تعامل النخب المصرية المتعاقبة مع بعضها البعض. وعاشت مصر بعد 25 يناير هذه النزعة بشدة، فأصبح كل ما هو مرتبط بالنظام الأسبق (نظام مبارك) معيبا وملعونا. حتى لو قيلت كلمة حق فى شأن أى من هؤلاء الذين لم تتلوث أياديهم بدماء أو فساد. وهو ما يحدث الآن حيث يتم «تلبيس» الإخوان كل أسباب الفساد والاستبداد والإرهاب بحق أو بغير وجه حق، وهذا لا ينفى عن النظامين خطايا ارتكبت لأنهم كانوا يستخفون بالشعب المصرى ويظنون أنفسهم وصلوا إلى السلطة ولن ينزلوا عنها أبدا. لكن الحقيقة أن هذه معضلة تاريخية كشفها بعض علماء الحملة الفرنسية حين غزوا مصر وتناقلها عنهم مؤرخون مصريون كثيرون من أن عادة الملوك الفراعنة أن يمحوا آثار السابقين عليهم أو أن ينسبوها لأنفسهم. وهو ما لم نزل نحن فاعليه حتى يومنا هذا وكأننا نريد دولة عصرية بعقول حجرية.
الثانية: «فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ»، وسياق الآية يتحدث عن تلك العلاقة النفعية بين الأعراب، والرسول (عليه الصلاة والسلام)؛ فإن أخذوا من الصدقات والزكاة ما يرضيهم كانوا يكيلون له المديح، وإن نقص المال أو ضاقت اليد، يتقولون عليه ويصفونه بما فيهم هم من صفات أصلا مثل الظلم والبخل والمماطلة وتغليب الأقربين على الأبعدين. وهذا ما يفعله كثير منا الآن؛ هم يريدونك أن تقول ما يتفق مع توجهاتهم وأن تكون محاميا عنهم أو لاعبا فى فريقهم، وليس قاضيا نزيها أو حكما بين الفرقاء. إن قلت ما يسعدهم، فأنت جميل. وإن قلت ما يزعجهم، فأنت عميل. إن وافقتهم، فأنت رائع، وإن خالفتهم، فأنت ضائع. حين علق الأستاذ عباس العقاد على عبارة منسوبة لسيدنا عمر بن الخطاب: «يا حق ما أبقيت لى حبيبا». يقول العقاد: «وهكذا دائما من يختط لنفسه طريقا لا يرضى أهواء هؤلاء أو أولئك، يتلقى السهام من الجميع لأنهم على اختلاف آرائهم يظنون فى أنفسهم خيرا، ويظنون فى صاحب الحق شرا. فإذا كان هذا بعمر، فما بالنا ونحن نكابد الصراعات وقت اختلاط الحق بالباطل».
الثالثة: «قالوا سواء علينا أوعظتنا أم لم تكن من الواعظين»، وسياق الآية الكريمة فى سورة الشعراء يتحدث عن قوم هود (عليه السلام)، الذين قرروا قرارا مضمونه: يا هود لا تجهد نفسك ولا تزعجنا بمحاولات نصحنا فعائد جهدك صفر. ولكاتب هذه السطور ما يكفى من أسباب الإحباط لنصائحه منذ عهد الرئيس مبارك مرورا بالمجلس العسكرى وحكم الرئيس مرسى انتهاء بتبصير قيادات الجماعة على المنصة بمخاطر ما يفعلون فى أنفسهم، والأهم فى شبابهم، ثم بتقديم تصور كامل قدم للنظام الجديد نتيجة جهد مجموعة من الزملاء الذين تطوعوا بالتفكير فى مخرج عاقل فى التعامل مع الاعتصام بتقليل الدماء قدر المستطاع، وحذرنا فى ورقة مكتوبة قدمت لمن يعنيهم الأمر من أن القضية لن تكون «الناس اللى فى رابعة، وإنما ستكون رابعة اللى جوة الناس». وكان هذا قبل الفض بأسبوع كامل. ولكن لسان حالى وزملائى هو ما قاله سيدنا صالح (عليه السلام): «ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين».
ورغما عن كل أسباب اليأس الكامنة فى المشهد، فإننى أظن أنه سيظل بيننا من تنطبق عليهم الآية الكريمة: «الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه»، وهؤلاء كلما استمعوا قولا، ووجدوا أحسن منه وعملوا به، سيظل هناك من يصفونهم بما ليس فيهم. وهذا من قدر الله فى خلقه. والله أعلم
المصدر:جريدة الوطن