ماذا تفعل لو كنت مكان هذا الرجل؟
أولاً، لو ظل فى منصبه وقرر ألا يترشح للرئاسة، فهناك احتمال قائم بأن يشرع الرئيس الجديد فى أن يعزله بمنطق أن هذا الرجل ساهم فى عزل الرئيس السابق عليه. لا أعرف مرشحاً رئاسياً مطروحاً الآن يمكن له أن يقبل بارتياح وجود الفريق السيسى فى منصبه كقائد عام للقوات المسلحة. وكما نعلم فإن الدستور لم يضع قيداً على رئيس الجمهورية فى عزل وزير الدفاع، وإنما القيد هو موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تعيين وزير دفاع جديد.
ثانياً، لو قرر الفريق السيسى الترشح فسيصبح مسئولاً عن مشاكل مصر المتعددة، وبالتالى يخرج من خانة المسئول عن واحد من أهم قطاعات العمل العام فى الدولة إلى أن يصبح مسئولاً عن كل قطاعات العمل العام فى الدولة. وهو يعلم تماماً أن مشاكل مصر متعددة ومتنوعة ومتشابكة وعميقة بما سيجعله بحاجة لكتيبة عمل جادة بعيدة عن المبالغين فى الاحتفاء به. وأتذكر قولته التى كررها أكثر من مرة أمامى: «علاج مشاكل الفساد فى مصر لن يحل مشكلة الفقر والعوز فى مصر».
ثالثاً، أن يكرر نموذج «بوتين – ميدفيديف» بأن يكون الرجل القوى الذى يتحكم دون أن يحكم، بحيث يكون الرئيس الذى يأتى يكون على وفاق مسبق معه بما يضمن له استمراره فى منصبه كوزير للدفاع وبعد مدة الأربع سنوات يكون لكل حادث حديث.
وكل هذه البدائل ليست مضمونة، ككل شىء فى مصر، لأن الحقائق فى مصر متغيرة بمعدلات أعلى من معدلات قدرة أى طرف على التنبؤ بها أو السيطرة عليها.
وتزداد الصورة تعقيداً حينما يتداخل المشهد الإقليمى والدولى مع المشهد المحلى، حيث أصبحت مصر ساحة لصراع إقليمى بين قوى الاستقطاب العربى ممن يدّعون دعماً للشرعية الإخوانية ومن يدّعون دعماً للاستقرار الوطنى بعد التخلص من الإخوان. وهنا تنفتح خزائن كل طرف لإعادة تشكيل مصر على النحو الذى يتفق مع مصالحه.
أعتقد أنا ما سينقذ مصر ليس أن يرشح الفريق السيسى أو أى من الأسماء المطروحة نفسه فقط، وإنما أن يتقدم المرشح ومعه فريق عمل من تيارات أيديولوجية مختلفة بما يحقق المعادلة الصعبة التى تكرر الحديث عنها كثيراً فى هذا العمود: أن يكون رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس إدارة الوطن والعضو المنتدب لإدارته. وهذا الكلام له أهميته تحديداً إذا كانت الانتخابات الرئاسية أولاً، وسيكون رئيس الجمهورية المنتخب مطالباً بأن يُشرّع، فى غيبة مجلس النواب، تلك التشريعات التى ستنظم انتخابات مجلس النواب وتقسيم الدوائر.
من يترشح للمنصب عليه ألا يعتمد على تاريخه أو أمجاده وإنما أن يكون معه برنامج عمل يعالج مشاكل مصر التاريخية: الجهل والفقر والمرض والظلم والاحتقان. بالإضافة إلى ذلك أن يكون معه فريق عمل قادر على أن يحول هذا البرنامج إلى إجراءات على أرض الواقع.
أعتقد أن الشعب المصرى لن يعتمد على الولاء الشخصى والمطلق لأى رئيس يأتى إلى السلطة وإنما سيكون الولاء وظيفياً ومشروطاً؛ أى سيكون مشروطاً بحسن أداء الرئيس لمهامه ولوظيفته؛ فلا مجال للحديث مرة أخرى عن البيعة لشخص ما أو تقبيل الأيادى أو العشق الشخصى لفرد بذاته.
ولا يمكن فهم وضعنا السياسى إلا بفهم الوضع الإقليمى. مصر تعيش عالة على المعونات التى تأتيها من دول الخليج، وما أظن أن هذه المعونات ستستمر إلا إذا وصل إلى السلطة من يضمن ألا تعود مصر إلى حكم الإخوان مرة أخرى. والحقيقة أننا نحن المصريين نضع أنفسنا فى مواقف الضعف بقلة العمل وكثرة العيال والتفنن فى الاحتجاج والتمرد فى وقت ينبغى أن نجتهد فيه من أجل إنقاذ السفينة التى توشك على الغرق لا قدر الله. نحن بالفعل مثل من يتنافس على مقعد القيادة فى سفينة تغرق.
لا أعرف ما الذى سيكون عليه قرار الفريق السيسى، ولكن أعرف أن مصر ليست بحاجة لرئيس كلاسيكى مثل من كانوا من السابقين، وإنما هى بحاجة لـ«مايسترو» يقود مجموعة عمل تتضمن ممثلين مقنعين عن أطياف المجتمع كله. «والله الموفق».
المصدر جريدة الوطن