كتب الدكتور مصطفى محمود نصاً بديعاً فى مطلع الثمانينات، أى منذ أكثر من ثلاثين سنة. النص موجه للشباب وموجه لكل من يدخلون السياسة بدون سابق خبرة، فيحكمون فى حدود ما يعرفون، وهم لا يعرفون الكثير.
يقول الرجل (رحمة الله عليه):
«بحر السياسة غريق، والطالب الذى يقود المظاهرات ويهتف لم يعد يعرف ماذا يخدم ومن يخدم وغالباً ما يكتشف أنه كان مستخدَما من قبل آخرين دون أن يدرى، وإن كان أداة هدم من حيث ظن أنه أداة بناء وكان عوناً للشيطان من حيث تصور أنه داعية إلى حق.. بل إن الكلمات التى يهتف بها فى حماس وبراءة غالباً ما يكتشف أنها لم تكن كاملة إنما هناك من مكر به ووضعها فى فمه».
أعقّب على كلام الرجل بشهادتى الشخصية عن عدد من يظنون أنهم أصحاب قضية يناضلون من أجلها، فيرفعون شعار السامرىّ: «بصرت بما لم يبصروا به». وبعد أن يكتشفوا أنهم مغرر بهم يستكملون كلامهم قائلين: «وكذلك سولت لى نفسى». وعادة ما يطلقون سهامهم ضد ناصحيهم مرتين: مرة أثناء مرحلة ظنهم أنهم أصحاب قضية نضالية لأن من لا يشاركونهم وهمهم النضالى ليسوا على نفس درجتهم من الثورية والوطنية والتدين، ثم مرة حين يكتشفون أنهم كانوا «يناضلون» من أجل «لا شىء عظيم» فيكيلون الاتهامات إلى ناصحيهم مرة أخرى لأنهم كانوا ينبغى أن يمنعوهم وأن يشتدوا عليهم فى القول. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يستكمل الدكتور مصطفى محمود كلامه قائلاً:
«العثور على الحقيقة الآن أصعب من العثور على إبرة فى الظلام، والمواطن العادى وقارئ الصحيفة العادى أبعد الناس عن إدراك ما يحدث تحت قدميه، وأجهزة الإعلام تغسل مخه كل يوم، والأخبار تشغله والإعلانات تستغله والسينما تستهويه والمسرح يقتل وقته.
اختلط الأمر فى كل شىء حتى فى اللحى.. فأصبحت ترى غابات من اللحى ولا تعرف ماذا تحتها.. المشايخ لهم لحى ومطربو الديسكو لهم لحى والوجوديون لهم لحى والشيوعيون لهم لحى والهيبى لهم لحى.. خومينى قائد.. الموت لإسرائيل.. الموت لأمريكا.. لم يطلقوا هتافاً واحداً ضد روسيا».
يقصد الدكتور مصطفى محمود أن روسيا كانت آنذاك حليفة لإيران، ولكنها كانت فى الوقت نفسه تحتل أفغانستان. ومن هنا كانت المصلحة السياسية فوق الدين، بما يعنى أن المكيافيلية تحكم العقل السياسى، ويظن بعض الشباب والطلاب أنهم يدافعون عن أشخاص أصحاب شرف وهمة ودين وأخلاق، والأمر يقيناً ليس كذلك، لكنهم لا يعلمون. ويوم أن يعلموا سيندمون. ولأن وصول الخومينى ورفاقه للحكم فى إيران كان الحدث الغالب على منطقة الشرق الأوسط آنذاك، ركز عليها أكثر الدكتور مصطفى محمود ليقول: «إن ما حدث فى إيران، كان ثورة وانقلاباً، تغيرت فيه الرايات وتغير الجالسون على مربع السلطة ووضعت بطاقات جديدة على البضاعة القديمة نفسها؛ والمظالم هى المظالم.. لم يتغير شىء.. المظالم الآن اسمها إسلام.. وحرب الثأر مع العراق اسمها إسلام.. وتهديد حكومات الخليج اسمه نشر الإسلام.. مجرد أسماء.. مجرد كلمات.. ولكن الإسلام لا دخل له بما يجرى والإسلام لم يكسب بما يحدث بل خسر.. وازدادت بالخومينى الفرقة بين المسلمين وازداد التمزق وازداد الخرق اتساعاً ولم يعد المسلم يعرف عدوه من صديقه وبات الحليم حيرانَ.. وكما قلت أصبحت رؤية الحقيقة أصعب من رؤية إبرة فى الظلام».
أطلب من حضراتكم أن تفكروا فى الأمر من منظور ما حدث فى مصر. نحن نضر ببلدنا وبديننا وبتماسك مجتمعنا كلما قبلنا أن نكون أداة فى يد من يستخدم شبابنا وطلابنا فى معاركه السياسية وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.