معتز بالله عبد الفتاح يكتب
لا ملجأ منه إلا إليه
أحياناً تكون الكلمات كالدواء الذى يحتاجه الإنسان فى أوقات صعبة: سواء كانت الكلمات على سبيل الاستدلال من ذكر حكيم منسوب لخالق الكون، سبحانه وتعالى، وهذا هو ما نسميه «الاستنباط»، وأحياناً نكون بحاجة للاستدلال من خبرات آخرين ونستخلص من قصصهم العبرة، وهذا ما نسميه «الاستقراء».
قال تعالى: «مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَىْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» صدق الله العظيم.
والمعنى واضح ومباشر فى أن مصائب الأرض والنفس هى قدر مقدر ومكتوب ومرصود ما كان ليخطئنا وما كنا لنخطئه حتى من قبل أن يخلق الله الأرض وما عليها، سواء بالمعنى الحرفى للكلمة، وكأن الله يقدر كل أمر بذاته لحظة وقوعه، أو بالمعنى الفلسفى أن الله وضع نواميس الكون وقوانينها وتركها تعمل وفقاً للتفاعل المباشر بين البشر وبعضهم البعض وبين البشر وبيئتهم.
المهم حين يصيبك ما تفرح به، فلا تنسبه لنفسك، فهو من عند الله، قدره لك ويسرك له، وحين يصيبك ما تكره، فلا تعتبر أن الله تركك وقلاك وهجرك، وإنما هو اشتاق إليك ويعلم أن شر نفسك أقوى من خيرها، فضرب بعض خيرك ببعض شرك عساك تعود إليه طالباً منه أن يعين بعضك الخيّر على بعضك الشرير. وفى كل الأحوال لا تجعل الاختيال والفخر يجنحان بك بعيداً عن خالقك الذى بيده أن يعينك وبيده أن يتركك لنفسك تأخذها وتأخذك بعيداً عنه سبحانه وتعالى.
ومن أفضل ما قرأت عن دروس الحياة ما كتبه المرحوم الدكتور مصطفى محمود: «من يقرأ التاريخ لا يدخل اليأس إلى قلبه أبداً، وسوف يرى الدنيا أياماً يداولها الله بين الناس، الأغنياء يصبحون فقراء، والفقراء يتقلبون أغنياء، وضعاف الأمس أقوياء اليوم، وحكام الأمس مشردو اليوم، والقضاة متهمون، والغالبون مغلوبون، والفلك دوار، والحياة لا تقف، والحوادث لا تكف عن الجريان، والناس يتبادلون الكراسى، ولا حزن يستمر، ولا فرح يدوم».
كلامه صحيح، وسبحان من يغيرنا ولا يتغير، سبحان من جعلنا نعيش الحياة بما فيها، من قوة وضعف، وصحة ومرض، وأمل ويأس، وهمة وكسل، وهو حى قيوم، قادر، ينفع ويضر، يعطى ويمنع، يعز ويذل. ومن لم يعتبر بما حدث ويحدث خلال السنوات الماضية فهو أكيد فاقد الحكمة، لا تحزن ولا تجزع، وسيكون الله معك بقدر حسن ظنك به وثقتك فيه وعملك بما يأمرك به.
والحذر كل الحذر من تجار اليأس ونافخى الكير، فحين تستمع لأحد هؤلاء تجده معدياً لك على نحو يدمرك ويقتل فيك الرغبة فى الأمل والعمل.
من أقوال الشيخ الغزالى، رحمه الله:
«إن المرء حين يتأمل ينطلق تفكيره فى خط لا نهاية له، وما أسرع الهواجس والأوهام لاختراق هذا التفكير المرسل، ثم تحويله إلى هواجس محيرة، ومخاوف محبطة. إن الغد فى ضمير الغيب، يستوى السادة والصعاليك فى ترقبه، فلم يبقَ إلا اليوم الذى يعيش العقلاء فى حدوده وحدها، وفى نطاق هذا اليوم يتحول إلى ملك من يملك نفسه ويبصر قصده».
لا تفكر فى رزق غاب عنك، واجتهد فى واجب أنت مطالب به، للنجاح أسبابه، ابحث عنها، واعرفها، واعزم على أن تجتهد فيها ولسان حالك: «اللهم إنك قلت وقولك الحق: الذين آمنوا وعملوا الصالحات.. إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً.. اللهم إنى آمنت بك، وتوكلت عليك، وأُثنى عليك الخير كله، أعنّى على أن أحسن عملاً».
وقبل أن تبدأ عملك وأثناءه وبعده، استحضر النية لخالقك، عسى أن يتقبل منك، وأن يعينك، كقول نبينا «إبراهيم»: «رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».