من تراث الادب القضائي لمحكمة النقض (محضر أفتتاح أعمال محكمة النقض)
مجدي عبد الفتاح المهدي يكتب |
من تراث الادب القضائي لمحكمة النقض
محضر أفتتاح أعمال محكمة النقض
محضر أفتتاح أعمال محكمة النقض المدنية فى الساعة
التاسعة من صباح اليوم (الخميس 24 جمادى الثانية سنة 1350 الموافق 5 نوفمبر سنة 1931 )
برئاسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمي باشا رئيس محكمة النقض والإبرام .
اجتمع حضرات أصحاب السعادة والعزة : عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة ، ومحمد لبيب عطية بك ، ومراد وهبة بك ، وزكى برزى بك ، ومحمد فهمى حسين بك ، وأحمد أمين بك ، وحامد فهمى بك ، وعبد الفتاح السيد بك ، وأمين أنيس باشا المستشارون .
وبحضور حضرة صاحب العزة مصطفى محمد بك النائب العمومي. وبحضور حسين طلعت بك كبير كتاب المحكمة كاتبا للاجتماع .
أفتتح الاجتماع سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة فقال : بسم الله الرحمن الرحيم … نفتتح اليوم أعمال محكمة النقض والإبرام المدنية التى وفق جلالة مولانا الملك المعظم وحكومته إلى إنشائها بمقتضى القانون الصادر فى شهر مايو الماضى. وإنه لمن حقي وحق حضرات إخواني القضاة وحضرات إخواني المحامين وكل متبصر فى حالة القضاء في هذا البلد – من حقوقنا جميعاً ، ان نغتبط بإنشاء هذه المحكمة التى كانت الأنفس تتوق إليها من عهد بعيد. هذه المحكمة التى أنشئت لتلافى الأخطاء القانونية فى الأحكام النهائية ، كان وجودها أمراً ضرورياً جداً ، فانه لا يوجد أى قاضى يستطيع أن يدعى لنفسه العصمة من الخطأ . ولقد حاول الشارع المصري أن يتلافى بعض ما قد كان يقع من الخطأ فى المسائل القانونية فأنشأ نظام الدوائر المجتمعة ولكنه ، كما تعلمون حضراتكم ، كان نظاما قاصراً جداً ، لا يتعرض للاحكام النهائية بشىء ، ولايمسها أدنى مساس ، بل كان مقصورا على ناحية خاصة من نواحى التقويم والإرشاد فى المبادىء القانونية دون أن يصلح من الأحكام ذاتها ، وقد سارت محكمة استئناف مصر الأهلية ، زمناً طويلاً على هذا النظام .
حتى أنشئت محكمة استئناف اسيوط فأصبح غير واف بالغرض وأصبح من الضرورات الفصوى إيجاد نظام النقض والإبرام الذى هو وحده الكفيل بتحرى أوجه الصواب فيما يتعلق بالأحكام النهائية وإصلاح الخطأ فيها ، لانه يؤثر فى تلك الاحكام ويبين مابها من الأغلاط القانونية ، ويدعوا إلى إعادة الإجراءات فى القضايا الصادرة فيها ، فنحن مغتبطون بهذا النظام ونحمد الله تعالى أنه أنشىء الاَن. وأنى أصرح بأنى فرح فخور بأن حضرات الرجال الذين عهد إليهم الابتداء بهذة المهمة الجليلة هم خير قضاتنا علماً وعملاً ومن أكملهم خلقاً وأحسنهم تقديراً للمسئولية أمام الضمير .
وإن سرورى يا حضرات القضاة وافتخارى بكم ليس يعدله إلا إعجابي وافتخاري بحضرات إخوانى المحامين الذين أعتبرهم كما تعتبرونهم أنتم عماد القضاء وسناده ، أليس عملهم هو غذاء القضاء الذى يحييه ؟ ولئن كان على القضاة مشقة في البحث للمقارنة والمُفاضلة والترجيح فإن على المحامين مشقة كبرى فى البحث للإبداع والإبداء والتأسيس . وليت شعرى اَية المشقتين أبلغ عناءً وأشدُ نصباً ؟ لا شك أن عناء المحامين فى عملهم عناء بالغ جداً لايقل البته عن عناء القضاة فى عملهم ، بل أسمحوا لى أن أقول إن عناء المحامى – ولا يُنبئك مثل خبير – أشد فى أحوال كثيرة من عناء القاضى ، لأن المثبدع غير المُرجح . هذا يا أخوانى المحامين نظرنا اليكم ، ورجاؤنا فيكم أن تكونوا دائماً عند حسن الظن بكم .
وان تقديرنا لمجهوداتكم الشاقة جعلنا جميعاً ، نحن القضاة ، نأخذ على أنفسنا أن نيسر عليكم سبيل السير في عملكم ، وإن أية فرصة تمكننا من تيسير السير عليكم لانتركها إلا انتهزناها في حدود القانون ومصلحة المتقاضين .
ذلك بأن هذا التيسير عليكم تيسير على القضاة أيضاً ، إذ القاضى قد تشغله الفكرة القانونية فيبيت لها ليالي موخوزاً مؤرقاً على مثل شوك القتاد ، يتمنى لو يجد من يعينه على حل مشكلتها ، وإن له لخير معين في المحامى المكمل الذى لا يخلط بين واجب مهنته الشريفة وبين نزوات الهوى ونزعاته ولا يشوب عمله بما ليس من شأنه – إذا كان هذا ظننا بكم ورجاءنا فيكم فأرجو أن تكونوا دائماً عند حسن الظن بكم ، وتقدروا تلك المسئولية التى عليكم ، كما يقدر القضاة مسئوليتهم .
وأظننى إذا ذكرت إخوانى القضاة والإعجاب بهم ، أنى أدمج مع القضاة حضرات إخوانى وزملائي النائب العمومى ورجاله ، فانهم هم أيضاً سيكون لهم إن شاء الله القدح المعلى فيما يتعلق بإحقاق الحق فى المبادىء القانونية .
إن مهمة النيابة من المهمات المضنية ، وربما كانت أشق من مهنة المحامين فيما يتعلق بتقدير وجه الصواب والخطأ فى المسائل القانونية والترجيح بينهما ، إذ لها فيها الترجيح الأول وللقاضى الترجيح الأخير . على أن لها أيضاً فى أحوال كثيرة مهمة الابتداء كالمحامين ،فأعضاء النيابة يجمعون بين عملى الطرفين ويتحملون مشقتهما . ولا يؤيد ذلك ، مثل الدفع الذى ترونه اليوم مقدماً من النيابة مما لم يجل في خاطر القضاء ولا في خاطر المحامين .
فنحن إذن نفتخر بالمحامين وبالنيابة وبالقضاء جميعاً . وإنا نرجو الله أن يهدينا جميعاُ سواء السبيل وأن يمد فى عمر مولانا الملك المعظم وأن يوفقه ويوفق حكومته الى مافيه صالح الأعمال.
حضرة مصطفى بك النائب العمومي قام وقال :
النيابه العمومية تهنىء هيئة محكمة النقض والإبرام وتهنىء أسرة القضاء وتهنىء نفسها بهذا المولود العظيم وهو محكمة النقض والإبرام – هذا المولود الذى هيأت له مجهودات القضاه مدة ثمانية وأربعين عاماً ، وليس المقام هنا مقام سرد مجهودات القضاة فان ذلك سيكون فى يومه ولكننى اكتفى الاَن بالإشارة إليها.
والنيابة العمومية تعد محكمة النقض والإبرام بأنها ستكون عضوا نافعا لمصلحة العدل والقانون .
وإنى فى هذا المقام أنوه بمجهودات حضرة صاحب المعالي على ماهر باشا وزير الحقانية الحالي الذى أخرج فكرة إنشاء هذه المحكمة إلى حيز الوجود ، وقد عنت هذه الفكرة منذ زمن ولكنها لم تحقق إلا فى هذا العهد .
وأختم كلمتى بالدعاء لحضرة صاحب الجلالة الملك بطول العمر اَمين .
حضرة الاستاذ محمد حافظ رمضان بك قام وقال :
إنى بالنيابة عن المحامين أعرب عن عظيم سرورنا وأغتباطنا بإنشاء أكبر هيئة قضائية في مصر ، الغرض منها وضع المبادىء القانونية فى الموضع الصحيح . وإنى أقدم واجب الشكر لسعادة رئيسها على الكلمات الطيبه التى وجهها إلى أسرة المحامين ، ولا نعجب فانما كان سعادته رئيسا لأسرة المحاماة قبل أن يكون رئيساً لأسرة القضاه . وعلى كل حال فان أعتقادى أن المحاماة والقضاء عضوا عائلة واحدة يتضافران على وضع العداله فى موضعها ، واذا كانت المساواة فى الظلم عدلاً فما بال هذه المحكمه العليا وهى إنما أنشئت لتحقيق المساواة فى العدل .واذا كان المحامون يقدرون تماما المشقة العظيمة التى يتجشمها حضرات القضاة وتتحملها النيابه فى سبيل خدمة القانون والعدالة ،فانهم من جانبهم سيعاونون جهد استطاعتهم فى هذه الخدمة والله يوفقنا جميعا .