نص مذكرة الأستاذ ابراهيم سعودي المقدمة بجلسة اليوم 9/10/2012 في طعن الجمعية التأسيسية
نص مذكرة الأستاذ ابراهيم سعودي المقدمة بجلسة اليوم 9/10/2012 في طعن الجمعية التأسيسية
مجلـس الدولة محكمة القضـــــاء الإدارى الدائرة الأولى مذكرة
مقدمة من الأستاذ
ابراهيم عبد العزيز سعودي المحامي بالنقض
فى الطعن رقم 46352 لسنة 66 ق والمحدد لنظرها
جلسة الأحد الموافق 9 /10/ 2012
خمسة أسئلة وخمس اجابات
خمس أسئلة وخمس اجابات هي التي تحدد مسير ومصير هذه الدعوى
السؤال الأول : هل القرار محل الطعن قرار إداري مما تختص به المحكمة أم أنه عمل برلماني وتشريعي لا يدخل في اختصاصها ؟ السؤال الثاني : هل اختيار أعضاء لجنة وضع الدستور يخضع لثمة معايير أو ضوابط أم مطلق بلا قيد ؟ وما هي هذه المعايير والضوابط القانونية والدستورية التي يجب أن يجري عليها الاختيار ؟ السؤال الثالث : ماذا حدث في الواقع وكيف جرى التشكيل والاختيار وما هي الظروف والملابسات التي صاحبت ذلك ؟
السؤال الرابع : هل التزم الذين نابوا عن الشعب المصري في الاختيار بوازع من دين أو خلق أو ضمير أو وطنيه ؟ السؤال الخامس : هل القانون المنعدم الذي لم تكتمل اجراءات تشريعه أو إصداره قبل القضاء بانعدام وجود البرلمان له قيمة أو أثر ؟ وهل تصديق رئيس الجمهورية عليه رغم ذلك يصحح العوار والبطلان ؟
فأما السؤال الأول منها : وهو المتعلق بطبيعة قرار تشكيل لجنة الدستور وما إذا كان قرارا اداريا أم تشريعيا فقد تكفل بالإجابة عليه الحكم التاريخي الصادر من هذه المحكمة بحل الجمعية الأولى في الدعوى رقم 26657 لسنة 66 ق ـ إذ كشف بوضوح أن طبيعة القرارات الصادرة عن هيئة الناخبين المتمثلة في اجتماع مشترك بين أعضاء بعينهم هم المنتخبون من مجلسي الشعب والشورى ـ دون غيرهم ـ والمنوط بهم تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور ، وأن القرارت الصادرة عنها محض قرارات ادارية يجوز الطعن عليها أمام هذه المحكمة .وحيث أن هذا الحكم قد تأيد ضمنيا من المحكمة الادارية العليا بالتفاتها عن الشق المستعجل حال نظر الطعن على هذا الحكم . والحقيقة ان مجرد إثارة مثل هذا الأمر ينم عن خلط فادح وجهل فاضح ممن يفترض فيهم انهم رجال قانون ورجال برلمان في ذات الوقت ذلك انهم لا يدركون ولا يفهمون ماهية الأعمال البرلمانية إذ أن القرار موضوع الدعوى لا يمكن بأي معيار أن يدخل في نطاق الأعمال البرلمانية أو التشريعية يستوى في ذلك المعيار الشكلي الواسع أو المعيار الموضوعي الضيق بطبيعته .وتبيان ذلك أن نص المادة الستين من الاعلان الدستورى قد حدد أحكام اختيار اللجنة المنوط بها إعداد مشروع الدستور وفق قواعد محددة لا علاقة لها بمفهوم الأعمال البرلمانية وهذه الأحكام هي : أ ـ أجتماع الاعضاء غير المعينين لاول مجلس شعب وشورى فى اجتماع مشترك بدعوة من المجلس الاعلى للقوات المسلحة ولاحظ أن النص قصرها على بعض الأعضاء ( المنتخبين ) وحرم منها بعض الأعضاء ( المعينين ) ب ـ أن إجتماع كل هولاء الأعضاء من المجلسين انما يكون لغرض واحد يتمثل فى انتخاب سلطة تأسيسيه ثم لا عمل لها بعد ذلك . ج ـ أن هذه الهيئة الانتخابية ليست سلطة من سلطات الدولة وانما هي هيئة استمدت حقها القانوني من الاعلان الدستوري مباشرة وليست برلمانا لقصرها على بعض اعضاء البرلمان (المنتخبين ) دون بعضهم الآخر (المعينين )ومن ثم ، فمن منظور شكلي فاننا لسنا بصدد عمل برلماني ، إذ أننا بصدد أشخاص أشترط فيهم الإعلان الدستوري شرائط معينة وأعطى لهم الحق فى انتخاب الجمعية التأسيسية وبالتالى فأن كل ما يصدر عنها قرارات ادارية يجوز الطعن عليها أمام محاكم مجلس الدولة .ومن منظور موضوعي فإن القرار الصادر عن هؤلاء الأشخاص ( أعضاء مجلس الشعب والشورى المنتخبين ) لا يخرج عن كونه قرار اداري ذلك أنه ليس تشريعا ولا عملا رقابيا أو ماليا ، بل هو عمل محدود لهيئة ناخبين تستمد سلطتها القانونية من القانون بموجب الاعلان الدستوري ومن ثم تخضع لرقابة المشروعية التي يقوم عليها القضاء الاداري .
وأما السؤال الثاني من هذه الأسئلة: وهو المتعلق بما إذا كان اختيار أعضاء لجنة وضع الدستور يخضع لثمة معايير أو ضوابط أو يكون بالهوى والهوية ؟ وما هي هذه المعايير والضوابط القانونية والدستورية التي يجب أن يجري عليها الاختيار ؟وهذا السؤال أيضا تكفل بالإجابة عليه الحكم التاريخي الصادر من هذه المحكمة بحل الجمعية الأولى في الدعوى رقم 26657 لسنة 66 ق ، حين حدد المهمة المحددة لهيئة الناخبين بأنها تقتصر على عملية انتخابعضاء الجمعية التأسيسية ، ودون أن يكون أيمن المشاركين في الاجتماع المشترك من بين الأعضاء الذين يتم اختيارهمبطريق الانتخاب كأعضاء في الجمعية التأسيسية ، وأن مهمتهم تقتضي بطبيعة الحال وضع الضوابط والشروطاللازم توافرها فيمن يرشح نفسه لعضوية الجمعية التأسيسية ويكون مؤهلاًللاشتراك في وضع وإعداد دستور جديد لمصر، ثم تتولى بعد ذلك وفقاً لضوابطوقواعد الانتخاب اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية – وهم مائة عضو – من بينمن توافرت فيهم شروط الترشيح من العناصر المؤهلة لهذه المهمة .
ومن ثم فكان يتعين على هيئة الناخبين بموجب هذا الحكم مراعاة أنه : أ ـ ألا يكون أي من المشاركين في الاجتماع المشترك من بين الأعضاء الذين يتم اختيارهمبطريق الانتخاب كأعضاء في الجمعية التأسيسية . ب ـ وضع الضوابط والشروط اللازم توافرها فيمن يرشح نفسه لعضوية الجمعية التأسيسية ج ـ أن يكون من يجري اختياره مؤهلاًللاشتراك في وضع وإعداد دستور جديد لمصر
فهل التزمت هيئة الناخبين هذه الضوابط والمعايير ؟ الاجابة قطعا بالنفي ، فلا ضوابط وضعت ولا قواعد اتبعت ولا شروط في المرشحين تحققت ، وأصبح المشاركين في الاجتماع المشترك أعضاء في الجمعية ، ليجمعوا بين الصفتين كل ذلك فضلا عن المهاترات التي شهدتها عملية الاختيار على النحو المبين تفصيلا بصحيفة افتتاح الدعوى .
وأما السؤال الثالث من هذه الأسئلة : وهو المتعلق بماذا حدث في الواقع وكيف جرى التشكيل والاختيار وما هي الظروف والملابسات التي صاحبت ذلك ؟ فلقد كان ما حدث جريمة في حق مصر وفي حق الشعب المصري . ففي تاريخ اليوم المحدد لانتخاب الجمعية التأسيسية 12/6/2012 كان ما جرى توزيعه على الناخبين من أعضاء الاجتماع المشترك من المنتخبين بمجلسي الشعب والشورى ، لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية هو كتيب يتضمن أسماء الف وثلاثمائة وثمانية مرشحين حيث طلب منهم انتخاب مائة عضو ممن تضمنهم هذا الكتيب . وبمطالعة الأعضاء للكتيب المذكور تبين أنه : وردت به معظم أسماء المرشحين مجهلة بالأسماء الثنائية لم يتم ذكر إسم الشهرة أو وظيفة المرشح أو الجهة التي قامت بترشيحه لم يتم ارفاق او توزيع السير الذاتية للمرشحين أو ما يفيد مؤهلاتهم العلمية أو اسهاماتهم الفكرية أو الإبداعية التي تؤهلهم للمشاركة في صنع دستور البلاد لم يرد بالكتيب وظيفة المرشحلم يجر ارفاق الصور الشخصية للمرشحين لم يتم تصنيف المرشحين على أساس أبجدي أو على أساس تخصصاتهم أووظائفهم او اتجاهاتهم الفكرية او الجهات التي رشحتهم من نقابات أوهيئات كالأزهر الشريف أو الكنيسة المصرية أو غير ذلك من طرق التصنيف جرى املاء اسماء محددة على الناخبين المنتمين للأحزاب المشكلة للأغلبية النيابية في الاجتماع المشترك فيما عرف بالورقة الدوارة التي جرى توزيعها على الناخبين حتى أن وسائل الاعلام المختلفة نشرت أسماء الأعضاء المنتخبين قبل بدء اجراءات الاقتراع والفرز . وكان الأمر على هذا النحو يكشف في وضوح أن الناخبين لم يكونوا على علم أو دراية كافية بالمرشحين المعروضين عليهم ليختاروا من بينهم مائة عضو يوكل اليهم المهمة السياسية الأخطر في صياغة مستقبل مصر بعد قيام ثورتها المجيدة ، وانما كانوا يخضعون في أغلبيتهم السياسية الى املاءات حزبية وتوافقات وتربيطات انتهازية بغير ادنى اعتبار لصالح الوطن ، ومن ثم بدا الأمر وكأنه الهزل في مواضع الجد ، والهزر في مواضع الخطر . وأما السؤال الرابع : هل التزم الذين نابوا عن الشعب المصري في الاختيار بوازع من دين أو خلق أو ضمير أو وطنيه ؟فيكفي في اجابته المستندات التي أقدمها رفق هذه المذكرة لتكون كاشفة عمن هم الذين اوكل اليهم وضع دستور مصر شلة من الحزبيين المسيطرين وحفنة من المؤيدين المناصرين ، وقليل من أدوات التجميل والتزيين ولنطالع التشكيل : * قيادات وأعضاء تنظيميين بجماعة الإخوان المسلمين ( 24 )
* قيادات وأعضاء بحزب النور والاحزاب والجماعات السلفيةالأكثر تشددا(18)*شحصيات عامة معروفة بوضوح بتوجهاتها المساندة للاخوان ( 6 ) * حزب الوسط الاسلامي ( 3 )
* شخصيات إسلامية غير محسوبة على هذه الاتجاهات ( 3 )
وعلى الجانب الآخر:
* أساتذة النظم السياسية والقانون الدستوري : ( 2 ) “أحدهما من مؤيدي الإخوان والآخر رفض الانضمام الى اللجنة
* نساء : واحدة فقط غير اخوانية ( +3 إخوانيات ) شعراء : ( واحد فقط )
* علماء مخترعين أو مكتشفين أو باحثين لهم اسهامات علمية ( صفر )
علماء إجتماع (صفر )
* باقي كتاب صنوف الأدب من روائيين وكتاب قصة وخلافه ( صفر ) رياضيين ( صفر )
* فنانين (صفر )
أما السؤال الأخير فيكمن في هل القانون المنعدم الذي لم تكتمل اجراءات تشريعه أو إصداره قبل القضاء بانعدام وجود البرلمان له قيمة أو أثر وهل تصديق عليه رئيس الجمهورية رغم ذلك يصحح العوار والبطلان و ما الذي يجعل رئيس الجمهورية حريصا على ختم هذا العوار (والعك ) والبطلان بخاتم الشرعية التشريعية ؟
ونجيب على ذلك في ايجاز بأنه :لما كان الثابت أن المحكمة الدستورية العليا قد قضت في حكمها الصادر في 14 /6/2012 بعدم دستورية القانون الذي جرى على اساسه انتخاب مجلس الشعب ، وانتهت المحكمة في مدونات حكمها الملزمة لكافة سلطات الدولة بانعدام كامل المجلس من لحظة صدوره ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل لمشروعات القوانين التي لم تصدر بعد عن البرلمان قبل حله بموجب حكم المحكمة الدستورية ؟وقد أجابت المحكمة الدستورية العليا على هذا التساؤل جزما وقطعا في أحكام سابقة ، من بينها قضت به المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 11 لسنة 13 قضائية دستورية عليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/7/2000 حيث قالت بحصر اللفظ : “إن الأصل – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن إجراء انتخابات مجلس الشعب بناء على نص تشريعي قُضي بعدم دستوريته ، يؤدى إلى بطلان تكوينه منذ انتخابه ، إلا أن هذا البطلان لا يترتب عليه البتة إسقاط ما أقره ذلك المجلس من قوانين وقرارات وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة على تاريخ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية ، بل تظل تلك القوانين والقرارات والإجراءات قائمة على أصلها من الصحة، ومن ثم تبقى نافذة ما لم يتقرر إلغاؤها أو تعديلها من الجهة المختصة دستوريًا، أو يُقضى بعدم دستورية نصوصها التشريعية بحكم يصدر من هذه المحكمة، إن كان لذلك وجه آخر غير ما بنى عليه هذا الحكم”ومن ثم فإن ما يبقى ويظل هو ما تم واكتمل صحيحا من القوانين والقرارات والإجراءات أما كل ما عدا ذلك من مشروعات بقوانين لم تصدر فلا قيمة لها بعد القضاء بعدم الدستورية .فإذا أضفنا الى ذلك أنه يستحيل عقلا ومنطقا سريان تشريع يحدد قواعد انتخاب لجنة أنتخبت بالفعل قبل صدور هذا التشريع ، فمثل ذلك لا يكون الا من قبيل السخف الذي لا محل له بين رجال يقيمون موازين العدل ” لا ينكر بطلان قرار الجمعية التأسيسية وعوار اجراءاتها وفساد تشكيلها الا من يرى عن هوى أو هوية ، وليس الحق كالهوى ، وقد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ، وينكر الفم طعم الماء من سقم ، فان كان الأمر أمر قانون وحق وعدل فالأمر بيد أصحاب الحق والعدل ، وإن كان الأمر أمر ملائمة وتلفيق فليكن بيد الساسة الملتوين لا بشرعية القضاء ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ” .