الحقيقة أننى كنت أتوقع أن تضعنا القوى الغالبة فى هذا الصراع فى مواجهة إجبارية، فمن الطبيعى أن يحاول الغالب كسر إرادة مَن يشكلون الصداع الأبدى، ويواجهون رغبته فى بسط السيطرة غير المشروطة على البلاد، لذلك فكنت أرى عدم ضرورة استعجال الصراع القادم لا محالة بدعوى استنكار الانتهاكات التى ترتكب فى حق جماعة الإخوان لعدة أسباب: أولًا: أن الجماعة حين غلبت أتت بكل الانتهاكات، التى تستنكرها الآن ضد معارضيها، لأنها هى الأخرى كانت تريد بسط سيطرتها، لا عبر تحقيق العدل، ولكن بكسر أنف المعارض، وإشغال الشعب فى نفسه، وهى طريقة مصرية قديمة ليست من اختراع الجماعة بالذات، وتقوم السلطة الحالية باتباع المنهج ذاته، ثانيًّا: لأن الجماعة جماعة، ولديها تنظيم دولى، وأموال طائلة، وأجنحة مسلحة تقوم بالانتقام لضحاياها، ولا يليق أن تضفى عليها وجهًا إنسانيًّا أو نضاليًّا ليس منها، خصوصا أنك متهم بأنك أعطيتها ظهرك لتمتطيه وتركب على سلطة تبكيها الآن كالنساء، لأنها لم تستطع الحفاظ عليها كالرجال، وإن كنت أعطيت ظهرك للجماعة أول مرة، من واقع براءتك وسذاجتك، فلا يجوز لك أن تسمح لها بركوب ظهرك مرة أخرى بعد أن مرت بالاختبار وأخزتك أمام الحبيب قبل العدو. ثالثًا: ليس بالضرورة، ولأنك تعتبر نفسك ثوريًّا، أن تصبح مطية دائمة لكل مَن يريد أن يركب على السلطة، ثم تعود لتكتشف أنت والقابعون فى البيوت، أن من ركبوا على السلطة لا يختلفون كثيرًا، فى قمعهم وحماقتهم وشرهم، عن سابقيهم، وعليك محاولة لمّ شتات نفسك لتجهز بديلًا وقت أن يحين الحين للمواجهة. رابعًا: كيف لك أن تعطى أمانًا لمن خانوك من قبل؟ خامسًا: ماذا لو أن تحركك أدى فى النهاية إلى عودة الجماعة الساقطة؟ هل تعلم مدى الغل والرغبة فى الانتقام التى لا يخفيها أعضاء الجماعة، بدءًا من المرشد وحتى أصغر عضو فى الجماعة؟
بدأت المواجهة بقانون التظاهر وقمع تظاهرة «لا للمحاكمات العسكرية»، ثم اقتحام منزل الناشط علاء سيف، وضربه حتى نزف دمًا، وضرب زوجته، وسرقة الحواسيب الشخصية وهاتفيهما المحمولين، وقد عبر أنصار السيسى عن الشماتة، كما عبر أنصار الإخوان عن الشماتة ذاتها، إلى جانب شماتات متفرقة بررها أصحابها بأن «علاء بيشتم» ولا أجد قولًا أرد به على كل هؤلاء إلا: أنتو حثالة المجتمع وطفلة الحشرة. إيه حكاية الناس كلها بقت تشمت فى موتى بعض؟ وبرضه مش هادعى على حد.. ربنا يهدى كل ولاد الكلب.
ما يحدث قدر محتوم، فإن الفريق أول عبد الفتاح السيسى لم يغش أحدًا، هو قال إبان فترة حكم الإخوان: ما تعملوش تصرفات تستدعى الجيش، الجيش لو دخل يبقى انسى الديمقراطية والحرية لمدة تلاتين أربعين سنة. ويبدو أن الجماعة فهمت الرسالة بشكل مغلوط، فنشروا كلمة السيسى على الإنترنت بوصفها تثبيطًا للثوار ومعارضى الإخوان، والواقع أنها كانت رسالة إلى لجماعة بأن تصرفاتهم ستؤدى إلى وبال على الجميع، ومن الطبيعى أنك حين تأتى بتصرفات غير مسؤولة سيؤدى ذلك إلى استدعاء قوة باطشة، وهذا ما توقعته الفقيرة إلى الله على مدونتها بتاريخ 29 نوفبر 2012.
فات الوقت الذى كان يجب على القوى الوطنية والثورية فيه أن تلم شتاتها، وتتجمع، وتصمت قليلا لمراقبة المشهد، وتبتعد عن صراع الأفيال لتشكل بديلًا حقيقيًّا للشارع، والآن بعد أن ضاع الوقت هباء فى المزايدات، والعراك، والانقسام، والانحياز تارة إلى الإخوان وتارة للعسكرى، وبعد أن فات وقت وجوب الصمت، أتى وقت وجوب الكلام، ونحن غير جاهزين، لكننا لن نستطيع أن نصمت، لا لأننا نرغب فى المواجهة، ولكن لأن المواجهة فُرضت علينا.
هل كان الببلاوى ومنصور والسيسى وإبراهيم غافلين عن رد فعل جزء كبير من القوى المدنية والثورية على قانون التظاهر؟ هل لاحظ أحد أن قانون التظاهر الذى تم التصديق عليه دون مناقشة هو أسوأ من مسودة القانون السابقة عليه؟ هل يختلف أحد منصف على أن الشرطة تعمدت التنكيل بالمتظاهرين، خصوصا الفتيات، لإيصال رسالة ما؟ هل نسى أحد أن طنطاوى كان يفتعل المواجهات الشهرية ليمرر خطته التى اتفق عليها مع جماعة الإخوان؟ هل نسينا أن الجماعة وطنطاوى قاما بتأدية تمثيلية الخلاف فى ما بينهما فى أثناء حل مجلس الشعب، وأن طنطاوى أوحى للرأى العام بأنه يدعم شفيق، ثم اكتشفنا جميعًا أن حل مجلس الشعب كان باتفاق مع الجماعة ليتسلموا الرئاسة وأن طنطاوى كان يدعم مرسى سرًا؟
طيب شوفوا بقى السيسى متخانق مع مين واعرفوا أن الاتفاق معاه؟!