وما إن حدثت جريمة الوراق حتى انطلقت لجان الإخوان الإلكترونية تقول: مش أنا يا بيه.. وبالطبع لم تخف شماتة، لاقتناع القائمين على اللجان الإلكترونية بأن من نزل فى 30 يونيو هم المسيحيون، وهم من فوّضوا السيسى لفض اعتصام رابعة، وهم من أسقطوا مرسى.. وحتى السيسى مسيحى أساسا بس مش بيقول ع النت.
ما زالت التحقيقات جارية، وما زالت وزارة الداخلية، بكفاءتها منقطعة الجماهير، فى انتظار الفيديو الذى ينتظره الملايين، حيث تعلن جماعة أنصار أى حاجة مسؤوليتها عن الحادثة، وما زالت لجان «الداخلية» الإلكترونية متفرغة لسباب الجماعة، ولجان الجماعة متفرغة لاتهام السيسى.. أيوه أمّال إيه، وزير الدفاع بجلالة قدره، حين يود أن يقوم بعملية إرهابية ليلصقها بالجماعة، فيهز طوله ويستعين باثنين من الملثمين، يطلقون النار على الخارجين من الكنيسة ليقتلوا أربعة! طب وليه الشغل الفقايرى ده؟ خصموا له من الحوافز الشهر ده ولا إيه؟ وما يفتأ الإخوان يرددون: فتش عن المستفيد. حاضر.. ليس هناك مستفيد من هذه الحادثة سوى جماعة الإخوان المسلمين، فما الفائدة التى ستعود على الداخلية من جراء عملية تفضح فشلها؟ وما الفائدة التى ستعود على وزارة الدفاع من غضب الناس عليها، لأنها تعهدت بأن تحميهم ولم تفِ بتعهدها كما يجب؟ وما الفائدة التى ستعود على الحكومة التى ترغب فى إجراء الاستفتاء على الدستور، ثم الانتخابات، فى موعدهما، من زعزعة الأمن الذى سيؤدى إلى عرقلة خارطة الطريق؟
لا أستبق الأحداث ولا أعرف من المنفذ لهذه العملية، لكننى أعرف عدة حقائق قد تساعدنا فى قراءة المشهد.
من الذى يكتب على الجدران والبنايات فى الطرقات أقذع السباب بحق البابا تواضروس؟ من الذى أحرق الكنائس فى دلجا واعترف أحد الضالعين فى هذه الجريمة بأن الشباب كانوا «منفعلين» من موقف البابا تواضروس، لذا فقد «اضطروا» إلى حرق الكنائس والمتاجر المسيحية، وقتل مسيحيين، كما أن شيوخ البلد فى دلجا «اضطروا» إلى عدم التدخل وتهدئة الشباب «المنفعل» لأنهم كانوا حانقين على البابا تواضروس بسبب موقفه من «الانقلاب»؟ من الذى كان يقول، مذ أن كان فى الحكم، إن معارضى الدكتور مرسى 60% منهم مسيحيون؟ من الذى دار فى صعيد مصر يشعل الفتنة الطائفية ويقنع المواطنين المسلمين بأن المسيحيين هم من أسقطوا مرسى وأن ما حدث هو حرب صليبية على الإسلام؟ بل من الذى صرح بهذا جهارا نهارا فى الميكروفون على منصة رابعة؟ طيب من الذى استدعى الخلايا الإرهابية وأسكنها فى سيناء وقت أن كان فى الحكم؟ من الذى كان يعلنها صراحة وقت أن ثار الناس على مرسى عقب انقلابه الدستورى فى ديسمبر ويقول إنه سيحولها إلى سوريا ويقول نصًّا: اللى شوفتوه مننا فى الاتحادية حمادة واللى حتشوفوه من الجهاديين لو مشيتونا حمادة تانى خالص؟ من الذى يخرج فى تظاهرات وما إن يرى فتاة غير محجبة حتى يعترض طريقها ويصرخ فى وجهها: مسيحية مسيحية؟ من الذى يسمى مسيحيين مصر: كلاب تواضروس؟
هناك عدة فرضيات: إما أن يكون منفذو العملية اثنين من المهاويس، الذين يظنون أن المسيحيين يشنون حربا على الإسلام، بسبب ما يقرؤونه فى جريدة «الشعب»، وما يسمعونه على «الجزيرة مباشر»، وما سمعوه على منصة رابعة، وفى هذه الحالة تكون الجماعة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تحريض هذين المهووسين على الإقدام على جريمتهما، أو هناك فرضية أخرى، واردة جدا، أن يكون الأمر كله ثأرا بين عائلتين، ليس له أى أبعاد سياسية، لكن الجماعة بلسانها اللى تنشك فيه، وسبابها المقذع واليومى للمسيحيين هى المسؤولة عن ظن الناس فيها بأنها منفذ العملية، ولنتبنَّ الفرضية المضحكة التى يطرحها الإخوان وهى أن السيسى هو من قام بها، ليضع نفسه موضع اللوم ممن وضعوا آمالا عليه، لو أن هذا صحيح، فما كان له أن يخطر بباله تنفيذ هجوم على كنيسة، لولا أن الجماعة تصبح وتمسى وهى لا تفعل شيئا سوى بث الكراهية للمسيحيين، من يريد أن يحرج الجماعة لن يقدم على تفجير مسجد مثلا، والحقيقة أننى أثق فى اعتراف الجماعة التى صرحت به قياداتها وقواعدها بإنها تنسق مع الجماعات الجهادية.
لكن هذا لا يعنى أننى لا أحمِّل المسؤولين جميعا، بدءًا من محمد إبراهيم، مرورا بالببلاوى، وعدلى منصور، وعبد الفتاح السيسى، مسؤولية عدم حماية الكنائس.. إمممم، مش قوى، أصل موكب وزير الداخلية ومقر المخابرات تعرضا للهجوم، ولم تفلح الأجهزة فى حماية نفسها، آمل أن يقتنع المسؤولون بأن الطوارئ، وحظر التجول، وقانون التظاهر، وقانون الإرهاب، وكل السلاسل التى تستخدم لتكبيل المواطنين، ليست هى الحل.
المصدر : جريدة التحرير