يبدو أن البعض لا يميز الفارق بين القضاء على تنظيم يحمل أفكارًا عنصرية وفاشية، والقضاء على «البنى آدمين». حين ترغب فى القضاء على فكر متخلف تقاومه بالفكر، وحين ترغب فى القضاء على تنظيم متغول فى الاقتصاد والمناطق العشوائية والقرى والنجوع، تواجهه بخطة تنظيمية مضادة، وعليك أن تصبر وتكافح من أجل استرداد هذه المناطق والعقول من قبضة تلك الأفكار العنصرية المتخلفة، لا أن تواجهه بعنصرية وتخلُّف مضادَّين.
ليس المسىء أن أغلب الناس أصبحوا يتبادلون دعوة «يا رب تموتوا». الغريب حقًّا إنهم حين يموت من طلبوا له الموت يقولون: «هييييه.. ماتوا… أحسن». طيب على الأقل اسكت… لزومها إيه «هييييه هييه هيييه»؟ ماهو مات خلاص.
إحقاقًا للحق، فإن الحالة التى يعانيها المصريون الآن، حالة جديدة تمامًا عليهم، وأنا مصرية من زمان، من أيام ما كنت صغيرة، ولم أجد فى المصريين كل هذا الغل المتبادَل، وهذه الرغبة العارمة فى قتل الخصم، بل والاحتفال بموته، أو سجنه ظلمًا، أو بلائه بنائبة، أو مرض. وإحقاقًا للحق مرة أخرى، فإن الحالة السالف ذكرها هى إنجاز إخوانى صرف، لم تعرفه مصر قبلهم، على الأقل منذ وعيت أنا على الدنيا. ولا أرى بُدًّا من محاصرة أفكار التنظيم والتعامل معها مثلما تم التعامل مع الفكر النازى والفاشى، لكن مقاومة النازى لم تكن بالقتل العشوائى، أو بحبس مجموعة من الشباب 17 عامًا فى جنحة!
الحكم على عدد من طلبة الأزهر بالسجن 17 سنة فى جنحة لا يتجاوز القانون والمنطق والإنسانية فحسب، بل إنه يعكس فهما خاطئًا لدى المجتمع ككل فى التعامل مع الخصم.
هل هذه هى الوسيلة التى تكافح بها الدولةُ الإرهابَ، أم هى الطريقة المثلى لصناعة الإرهاب؟ وما الفعل الإرهابى الذى قام به هؤلاء الطلبة؟ هم أخطؤوا، وتوصيف ما فعلوه قانونا أنه جنحة.. يعنى 3 سنوات، 5 سنوات.. 7 سنوات على الأكثر. 17 سنة؟! شاب فى العشرين يقضى زهرة حياته فى السجن لمدة 17 عاما ويخرج من السجن وهو كهل فى السابعة والثلاثين وقد تَخرَّج زملاؤه وتوظفوا وتزوجوا ولهم أولاد فى المرحلة الابتدائية بينما أهدر هو حياته فى السجن لأنه منذ 17 عاما أخذ النزق منه مأخذه فحاول اقتحام إدارة الجامعة! ثم تنتظر منه أن يصبح مواطنًا صالحا، محبًّا للمجتمع، ولوطنه؟ ماهو كده حيطلع إرهابى، أمال حيطلع إيه؟ كوافير؟!
الغريب أن الغالبية تستسيغ الحكم وتقول بمنتهى البساطة إنه حكم للردع!
هناك جملة من الأخطاء التى ترقى إلى حد الجرائم فى الصراع الدائرة رحاه، وهو فى النهاية صراع على السلطة، لكن، حتى وأنتما تتصارعان على السلطة، وتستقطبان العامة الذين تحولوا إلى جمهور متوحش، انقسم جزء منه يشجِّع الأسد على التهام العبد، والجزء الآخر يشجع العبد على الفتك بالأسد، لا بد أن يتخذ كل طرف الإجراءات التى تضمن الحد الأدنى من السلامة النفسية والعقلية للجمهور المتابع، خصوصًا إن تكرار الأغنية الممجوجة التى بعنوان «الأيدى المرتعشة» قد أدَّى إلى «طرطشة» المظالم على أشخاص لا ناقة لهم ولا جمل فى هذا الصراع، وقد يؤدى هذا التشجيع المتوحش فى النهاية إلى أن يفاجأ أحد المسؤولين بأنه يعتقل ابنه، أو يقتل زوجته… ألّا باين عليها إخوان.
لماذا خلعنا الإخوان؟ لأنهم ظلموا، وقتلوا، وعذَّبوا، ولفَّقوا قضايا، وحاكموا المدنيين عسكريًّا، وأفسدوا الحياة، وهددوا السلم الاجتماعى، وتعاملوا بتعالٍ واحتقار مع الشعب المصرى، وتجاهلوا مشكلات البلاد الملحَّة، واهتموا بالاستقطاب السياسى والتمكين أكثر من اهتمامهم بالملفَّات المهمة كالاقتصاد والأمن القومى.. صح؟ طب لماذا يفعل القائمون على الأمر ما فعله الإخوان مضروبًا فى عشرة؟
إيه الكُفر ده؟ إيه الكُفر ده؟ عيال فى الجامعة يتنشُّوا 17 سنة حكم ف جنحة؟ والناس راضية؟ وقبلها كانت جريمة فضّ اعتصام رابعة التى كلما وصفناها بالجريمة خرج علينا أصحاب نظرية المؤامرة بأننا طابور خامس، لأننا لا نريد أن نتجاوز هذه المذبحة؟! ويضيفون أن «اللى ماتوا فى الفضّ 620 بس»… بس؟ انتوا بتعدّوا فى ذباب؟
«أصل الإخوان وحشين»… أنت اللى حتقنعنى أنا إن الإخوان وحشين؟! تحب أكتب لك مجلدات فى وحاشة الإخوان وخيانتهم وكذبهم ونفاقهم؟ فإيه؟ فنظلمهم عادى. لا وإيه: «المجرمين قتلوا ظابط أمن دولة»! يا سلام.. أمال حتشنقوهم ويسكتوا لكو؟ ما دام البطش والتنكيل يُفرَض كقانون يحكم الصراع، يبقى ماحدش يرجع يعيّط بقى. الظلم ظلمات يوم القيامة، ربنا حيخرب بيتنا.
خافوا ربنا بقى.