تعبت من كل الناس، تعبت من الجماعة الخائنة المغرمة بالسلطة التى لا تسكن أو تتحرّك إلا سعيًا خلف الحكم، وقال عاملين لى فيها ثوار قال، وتعبت من خرفان المؤسسة العسكرية الذين يسبّون جماعة الإخوان المسلمين بكل المواصفات التى يحملونها هم، فهم يستغلون الدين مثلهم، ويبررون بلا عقل ولا فهم مثلهم، ويتهمون كل مخالف بأنه خائن وعميل ومأجور وطابور خامس، تمامًا كما يتّهم الإخوان مخالفيهم بالكفر والخيانة والعمالة، والطرفان يلوذان أول ما يلوذان بالخوض فى أعراض الناس وقذفهم بالباطل، وتعبت من الصف الثورى المتمزق والذى يعج بمن يحتاجون إلى مصحة نفسية أكثر من أى شىء آخر، وأصبحوا كالمقاتلين القدامى، يرغبون فى الدخول فى أى معركة كانت، ومهما كانت، وبأى خسائر كانت، وبأى هدف، وربما بلا هدف ولا طائل، وقد تكون نتائج المعركة التى يصرون على دخولها فى مصلحة أحد أعدائهم: الداخلية أو الإخوان، لمجرد أنهم لا يطيقون أن تنحسر عنهم الأضواء، أو يصبحون بلا دور نضالى، أو لأنهم ببساطة لا يطيقون المكوث قليلًا دون مزايدة، وقد يلقون بأبرياء يغررون بهم فى السجن أو الموت، وهم يعرفون أن وقت المعركة الحقيقية لم يحن بعد.. بس حيقعدوا فاضيين كده؟
طيب حضرتك.. يبدو من كلامى أننى لا أطيق أكثر من يسكن هذه البلاد فى هذه المرحلة من حياتى. لكننا بالأمس كنا نتحدث عن «تحصين السيسى» لأنه «وقف جنبنا» و«خلّصنا من الإخوان»! هو احنا خلصنا من الإخوان؟
أما يكف خرفان السيسى عن المأمأة قليلًا؟ تارة يقولون إنه خليفة جمال عبد الناصر، وتارة يصرّون على ترشحه للرئاسة، وأخيرًا يبررون تسجيلًا مسرّبًا، سنعرف من حكم القضاء إن كان مفبركًا فعلًا أم لا، ولن نستبق الحكم حتى تفصل فيه المحكمة، لكن يبدو والله أعلم أن ما يحدث على أرض الواقع، هو محاولات لتنفيذ ما ورد فى هذا التسجيل «المفبرك».
ما علاقة السيسى بجمال عبد الناصر؟ هاه؟ هاه؟ هاه؟
أولًا، السيسى وزير دفاع، شعر أن الرئيس تحول إلى الحاكم بأمر الله، ويوشك أن يهدد السلم الأهلى، والأمن القومى، كما أن الناس فى الشارع تطالب برحيل مرسى من شهر ديسمبر 2012، أى قبل تحرّك السيسى بسبعة أشهر، وكما كان يقوم طنطاوى بنصب مذبحة شهرية، فقد كان مرسى يقوم بنصب مذبحة شهرية أو مواجهة أهلية أو الاثنتين معًا، ولنتذكر سويًّا: جمعة كشف الحساب فى أكتوبر، الاتحادية نوفمبر/ديسمبر 2012، أحداث 25 يناير 2013، سيمون بوليفار فبراير 2013 التى قتل فيه العشرات من أطفال الشوارع، بورسعيد مارس 2013، بورسعيد أبريل 2013، المقطم مايو 2013. لِمَ التذكير بذلك وأنا أتحدّث عن السيسى؟ عشان الإخوان مايظيطوش فى الظيطة.
هذا بخلاف التضحية بحلايب وشلاتين، وملء سيناء بالبؤر الإرهابية، وتهديد الأمن المائى، فما كان من وزير الدفاع إلا أن قام بواجبه فى الاستجابة إلى مطالب الشعب وعزل الرئيس الذى ثار ضده الناس، تمامًا كما فعل طنطاوى فى فبراير 2011،
وكون السيسى قام بواجبه لحماية البلاد من الانهيار، فهذا لا يعنى توقيع شيك على بياض له، فقد قام طنطاوى بواجبه فى عزل مبارك، ثم خان واجبه وتآمر مع الجماعة لتسليمها السلطة، لأن هذا ما كانت ترغب فيه الولايات المتحدة الأمريكية.
أما عبد الناصر فقد قام بتحرّك ثورى، ودعمه الشعب، لا العكس، ثم إن عبد الناصر لم يكن وزيرًا للدفاع، أى أن تحرّكه كضابط صغير لم يكن واجبًا وإنما كان تطوّعًا، ثم إن الشعب وقتها لم يطلب من الملك الرحيل كما نزل الشعب المصرى وطلب من كل من مبارك ومرسى الرحيل، أى أن عبد الناصر لم يكن مجبرًا على وضع رقبته على السكين بهذا الشكل، بينما السيسى كان مجبرًا على الاستجابة إلى مطالب الشعب ولو أنه وقف محايدًا لانهارت البلاد ولاقينا مصيرًا كلنا يعرف مدى سواده، أى أنه إن لم يعزل مرسى فإنه كان سيصبح خائنًا لوطنه وقسمه ومؤسسته.. كنتوا عايزينه يطلع خاين كمان؟
ثم إن عبد الناصر كان لديه مشروع واضح المعالم، فما المشروع الذى لدى السيسى سوى أن مصر تصبح قد الدنيا؟
والأهم من ذلك كله أن عبد الناصر جاء فى لحظة زمنية استثنائية لن تتكرر.
التشابه الوحيد بين عبد الناصر والسيسى هو أن الاثنين محاطان بفرقة كبيرة من المطبلاتية والمنافقين الذين يملؤون أذن الضحية بكلام معسول يضخّم الذات، ويجعل الإنسان يغتر، حتى يصدق، وما إن يصدق حتى يهوى ولا يجد من فرقة المطبلاتية أحدًا حوله.