هل تسيّدنا – نحن العـرب – العالم يومـاً ما بالفعل ؟
هل تسيّدنا – نحن العـرب – العالم يومـاً ما بالفعل ؟
إذا ما أتتك الفرصة للقاء شخـص من دولة غير عربية, و أخبرك بصراحة أنه يظن أنه يرثى حال العرب على مدار التاريخ, و ان حذف العرب من خريطة التاريخ والجغرافيـا لن يؤثر الكثير. فماذا انت بمجيب عادة ؟!
بالتأكيد وقتها لن تتمالك لسانك و ستندفع في خطبة تاريخية تعدد لهذا الشاب كل ما تعلمناه عن براعتنا في شتى العلوم وقتما كانت أوروبا تقبع في ظلمة الكهنوت.
و لن تنسى ان تخبره عن الخوارزمي مخترح الجبر ,و كتاب القانون لابن سينا, و رسائل ابن رشد, و الفارابي, و الغزالي, و مقدمة ابن خلدون, و هندسة الجزري, و البيروني, و البيطار. ولربما انتقلت معه في جوله لأشهر علماء التشريع من البخاري الباحث و المدقق, و الترمذي, الى الطبري المؤرخ العظيم, وصولاً الى ابن بطوطة الرحالة و غيرهم الكثير.
و لن تنسى – طبعاً – أن تفتخر بما يتغنّى به العرب ليل نهار و ينتظرونه : صلاح الدين الايوبي !
لكن دعنا نسألك نحن مرة اخرى, هل اجبت حقاً على الرجل ؟! و هل حقاً تسيدنا –العرب- العالم يوماً ما ؟!.
لا تنكر ، هل واتتك الحماسة حين وقعت عينيك على كل تلك الاسماء العربية بالأعلى التي سردتها منذ قليل ، وترددها على لسانك, و تعيــش لحظات من النشوة أن أجدادك تركوا لك شيئاً تتغنى به في ظل حال الحاضر البائس ؟
لكن للأمانة, فان من عموا عن تلك الاجابة – التي قدمتها للأجنبي – بحق هم العرب أنفسهم ! السؤال: هل كل تلك الأسمـاء العظيمة ، عــربٌ أصلا ؟!
المشكلة أننا كنا دائماً نقع في فخ الاسماء العربية و الرسومات التصورية للشخصيات التاريخية, و التي كانت ترسم لنا صلاح الدين الأيوبي–الأرميني الأصل- بملامح فارس عربي .. وإبن سينــا – الطبيب العظيــم – الاوزباكستــاني وفقــاً لمعايير اليوم ، وهو يرتدي عمـامة عربية أصيلة ! و لربما يزعجك تصوّر أن شيوخك الغزالي والخوارزمي لم تكن ملامحهم عربية كمـا المنحوتات والرسومات ، بل ( فارسيــة إيرانية أصيلة ) .. حتى المُحدث العظيــم ( البخــاري ) فعليك أن تتخلى قليلاً عن صورته العربية في خيالك, فلقد كان أوزباكستانياً أيضاً!
عليك ان تتصور صلب الروعة في غابر هذا الزمان الذي تتباكى عليه, ان رجلاً بملامح آسيوية فقيرة كتلك التي تراها في العمالة الاسيوية في بلدان الخليج العربي مثلاً, و قد حل على قريتك العربية, و إذ بالخبر ينتشر كالهشيم في أرجاء البلدة, فيتسابق الجمع الغفير -من أشباه أصلك العربي- على التعلم على يد شيخ جليل أو طبيب حاذق أو كيمــائي مُخضـرم الذي لم تمنعه لا ملامحه أو عرقه أن يتسيد اللحظة.
أو أن يرتحل شاب من الجزيرة العربية الى أقاصي خراسان ليتم كتابة مخطوطته, فيحل على بلد تختلف عرقياً معه, فلا يجد لا هو و لا اهل خراسان امراً عجيباً قد حدث يستحق التدوين.
او أن يهدد مصر و البلاد حولها خطر التتار, فيتوحدوا خلف لواء حاكم غير عربي على الإطلاق يدعى سيف الدين قطــز ، و يعلم الجميع انه بالامس كان مملوكاً له ثمن في سوق الرق.
أو أن يتحلق الجمع أمام رجلاً بأصول أوروبيه يعلمهم بلغة عربية –لربما كانت بلكنة غريبة- كما حال الفيلسوف العظيم ابن رشد ، و ابن البيطار.
أعد لنفسك كل هذه التخيلات, و اعد على نفسك السؤال :
هل تسيدنا نحن –العرب- العالم يوماً, ام كنا مجرد شراكة في مشروع انساني كبير, نجح فيه الأجداد ان يحرروا العالم للحظات من حدود العرقية و المنشأ, و فازت فيه العربية بنصيب كبير بأن سيطرت على لغة الثقافة وقتها.
حين يسألك الشخص الأجنبي هذا السؤال مرة أخرى, أجبه بأنه من قال لك ان ذوي الاصول العربية قد تسيدوا العالم ؟! بل كانوا شركاء و مؤسسين في مشروع انساني ضخم, عظم فيه بكل جدارة مبدأ الاخوة الحقه. و أسأله ان كان يعلم نموذج كهذا في تاريخه الخاص – قبل النهضــة العالمية التى نعيشها الآن – ؟!
و لا تنسى أن تخبره أن نتائج هذا المشروع ظاهرة الى الآن في ان أغلب من يسميهم هو عرب الآن, فهم ليسوا بالأساس في أغلبهم الا عرب مُسْتَعجمه أو عجم مُسْتَعربه. ليترك لنا اجدادنا عبرة في معنى الشراكة ظاهرة في انسابنا .. غير أننا لا ننفك أن نحاول أقصاء كل من حولنا, ظناً منـا اننا من الممكن أن نعيد شيئاً من امجاد الماضي وحدنا, أو بعنصريتنا القميئة ” المُنتنــة ” كمـا هو معــروف من التراث الإسلامي , لانها ستطرد حتماً كل طيب و جميل نبتغيه.
كونوا شركاء .. استوعبـوا الآخر .. تفلحوا في بناء حضــارة !