مجموعة سعودي القانونية

وائل عبدالفتاح يكتب | ماذا ستروى المومياء مبارك؟

وائل-عبد-الفتاح

«ارفع رأسك فوق.. إنت مصرى».

كان هذا أجمل هتاف ليلة سقوط مبارك.

رفْع الرأس فى تلك اللحظة لم يكن أمرًا من فرقة الضباط الصغار، «ارفع رأسك يا أخى.. فقد مضى عهد الاستعباد».. إنها صيحة تلقائية.. اكتشاف جماعى، وسر يعلنه الجميع معًا.

إنه رأس مرفوع، بقوة تولدت عبر 18 يومًا تغيرت فيها مصر.

اكتشاف اللحظة، بعفويته، يلخِّص «ثورة» بدا أن الوعى لم يستطع استيعابها، وصنعتها مفاجأة اشترك فيها ملايين.

ثورة قامت أساسا دفاعا عن الكرامة، ترمم نفوسًا جريحة، وأرواحا تائهة بفعل الذل والقهر.

الساعة كانت تقترب من السادسة.. سطر واحد وكلمات قالها الرجل ذو الوجه الكئيب، عمر سليمان فى 45 ثانية: مبارك لم يعد موجودًا على رأس السلطة.

رأس جمهورية التسلط انكسر، رمزها ترنح تحت هدير ملايين يريدون «إسقاط النظام».

سقط..؟ نعم سقط.. هوَى مبارك بعد وصلة مدمرة فى الليلة السابقة على السقوط، حين تقلص مكياج الرئيس، خرج من موته المؤقت، لينحت شخصية سيكوباتية، تتكلم فى خطاب عن أنا، فى مقابل ملايين، يصنع قنبلة أذى، وصلت الجماهير المنتظرة أمام الشاشات، بكى الرجال، وفقدت النساء وعيها، السيكوباتى (المجرم بالفطرة) الكبير، يوجه رصاصاته النفسية إلى من ناموا فى الشارع، وصاموا عن الحياة، ليرحل، وينصرف بعد 30 سنة، أصاب مصر بشيخوخة، كان يهرب منها بصبغة الشعر ومكياج الموتى.. شيخوخة ليس أمامها إلا استعراض القوة، تنين يصرخ صرخته الأخيرة محدثا أصواتا مجلجلة ومطلقا نيران من فمه.

رقصة التنين الأخيرة باعت الخوف، والعجز، والقهر، قبل أن يسقط.

السقوط مفاجئ، بعد خدعة الليلة الأخيرة، الجيش انتظر تأثير نقل مبارك صلاحياته لسليمان: بائع الخوف، والذى لم يكن سوى مبارك دون بهارات ابن البلد، والفهلوى، إنه المقاتل فى سبيل جمهورية التسلط، ويحتشد خلفه جيش مدافعين، يعملون بطاقة تذكِّر بالصحَّاف عرَّاب صدام وماكينة كذبه التى نافسها يومها أنس الفقى، بتصريحات ببغائية: «بالتأكيد لن يتنحى»، قذائف حرب نفسية، تقول إن الرئيس أكبر من إرادة الشعب، الصنم لن يرحل، التسلط قدَر، ينتقل من إدارة «مبارك 1» إلى مدير مخابراته «مبارك 2»، سلالة القهر لا تقهر.. هذا ما قاله صحَّاف القاهرة، أنس الفقى، عبر رسائل أكدت أن: مبارك باق إلى الأبد، ولم يبتسم ذو الوجه الكئيب وهو يتسلم المهمة، ولا استطاع ذو الوجه الكريه أن يثير الدموع هذه المرة. فقط لعنات.. وصرخات هستيرية «لا مبارك ولا سليمان».

فشلت قذائف الصحَّاف المصرى.. وأصبح الوعى طازجا، يتكون بتلقائية، وبإيقاع أسرع من حركة التنين البسيطة.

جسم الثورة ضخم، لكنه خفيف، رأسه الصغير، سر نجاح لم يتوقعه أحد، جسم متمرد على الترويض.. لم ندرك وقتها إلى أى حد سيكون عصيًّا على الدخول فى متاهة الجنرال.

أما مبارك فلم يبقَ منه إلا بؤس المومياوات.

ماذا سيفعل مبارك إذا حصل هو وأولاده على البراءة؟ هل سيعودون إلى البيت؟

الدراما الفاقعة فى المحاكمات تقول إن المشهد أصغر من الثورة، وإن وضع الفرعون فى القفص، لم يكن كافيا للشعور بأن الثورة تحققت.

الديكتاتور فى القفص، لكن الديكتاتورية تطل من خلف شبكة مصالح واسعة تريد نسيان الثورة.. لا هزيمتها فى موجة عابرة فقط.

وهذا ما يجعل رواية الأوغاد عن الثورة سبب نشوء قنوات السيراميك وما شابهها من بقايا العصابة التى امتصت الثروات وتحارب الآن من أجل عودة قدرتها على الامتصاص.

روايات الأوغاد هى الهدف من حرب غسيل الأدمغة ونسيان اليوم الذى كسرت فيه رقبة الفرعون الذى حكمنا بالملل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:الدستور الاصلى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *