هذه حكاية قديمة فجرها خبر الموت المفاجئ للصحفى المعروف عبد الله كمال، الذى كان أهم الصحفيين المقربين لمجموعة جمال مبارك فى عز حكم والده، واستمر صامتا وداعما لأحمد شفيق، ثم أسس مؤخرا موقعا إلكترونيا بأموال (يقال فى الحكايات المتداولة أنها من بين السيول المالية للإمارات فى الصحافة المصرية)..
الموت المفاجئ فجر عاصفة خلاف حول التعامل مع «أيقونة» تجسدت عندها قيم ما.. هل نستقبل الموت المفاجئ بطريقة «اذكروا محاسن موتاكم» ونسيان «تاريخها» وذاتها.. أم بإرسال اللعنات والشماتة فى الموت؟
بينهما خطاب يفصل بين الموت (لا شماتة فيه) والميت (لا تسامح مع خطاياه).. أو على الأقل عدم تبرير الخطايا بالموت.
الموت يغلق الملفات، لكنه لا يغير موقع الميت، كما أن الشماتة تعبير العاجز.. فالموت ليس آلة عقاب.. ولا انتصار لقيم ضد قيم إلا من قبيل استسهال المعارك.. أو نرجسية تفسر موت خصمك بأنه انتصار إلهى، بينما موتك استدعاء للجنة.
قصة عبد الله كمال الصحفى الذى اختار الدفاع عن مدرسة الحراسة الصحفية للسلطة… واستخدام احترافه فى «قتل» معارضيها يبدو اليوم محل سجال على قصة أخرى: كيف تستقبل موت من هو عبد الله كمال؟
بالنسبة لى الموت المبكر ذكرنى بقصة عن معركة اشتعلت فى الوسط الصحفى شهورا قليلة قبل ثورة يناير (.. طالب عبد الله كمال بضرب ثوارها بالرصاص).. الوسط الصحفى كله كان مشغولا بالمعركة.. من انتصر؟ من خان المبادئ؟ من وجه الضربة القاضية؟
هكذا بعد التحيات والسلامات كان السؤال الأول فى أى جلسة: «هل قرأت رسالة جمال مبارك فى (المصرى اليوم)»؟
والمقصود رسالة منشورة باسم جمال مبارك فى مقال رئيس تحرير «المصرى اليوم» وقتها مجدى الجلاد. الرسالة كانت موجهة إلى عبد الله كمال ووقتها كان رئيس تحرير «روزاليوسف».. وأكثر المدافعين عن النظام شراسة وقدرة على توجيه الشتائم والاتهامات.. يلعب دور «فزاعة» المعارضة.. وينتمى إلى كتيبة خاصة فى الدفاع عن الرئيس مبارك وابنه جمال. دفاع لا خجل فيه.. يستخدم أسلوبا عدوانيا يتجاوز النفاق التقليدى إلى مساحات فريدة.. يمكنها أن تسجل باسمه.
.. ورغم أن المعركة تشبه تأثير صودا المياه الغازية.. تنعش الجمهور المتابع وتخرج مشاعر التشفى والحاجة إلى التعصب لفريق ومعاداة فريق آخر.
فإنها معركة خاسرة لمن يرى المستقبل بعين مختلفة.
المعركة أريد لها أن تنتهى بجملة واحدة: «مين يقدر على جمال مبارك؟»..
إنها معركة تكريس جمال مبارك باعتباره الخيار الوحيد.
معركة حجز مكان فى أوتوبيس أو طائرة أو حتى «توك توك» المستقبل.
المعركة لخصت المستوى الصحفى.. الذى كان عبد الله كمال أحد أيقوناته.. حيث الصحافة تحبو وتبحث عن أب أو رئيس تحرسه.
عبد الله كمال وبعيدا أو قريبا من معركة الصودا الصحفية أحدث نقلة نوعية فى جيش الدفاع عن الرئيس وابنه.. نقلة استفاد فيها من قدرات مهنية لا يتمتع بها خصومه أو منافسيه أو أساتذة من الطراز القديم فى جيش الدفاع.
عبد الله كمال هو أرقى ما يمكن أن يصل إليه تفكير النظام قديمه وجديده… هو الممثل النموذجى للعقل الذى يدير السلطة. كل الآخرين هوامش من عبد المنعم سعيد وإلى المتطوعين الجدد مرورا طبعا بالجنود القطاعى الذين يقدمون خدمات بالقطعة، ويقفون فى منتصف المسافة بين الحارس الصحفى والمستشار السرى. كان هناك شىء مزعج فى هذه المعركة حول الحراسة الصحفية لجمال مبارك.. وهو تخيل أن لدى جمال مبارك قيما وأفكارا تجعله يختار شخصا آخر غير قائد حرسه الصحفى.
الخيال ليس فى كتابة الرسالة… ولا فى أنها، كما تصور البعض، غرامية.. لكن فى أن الرسالة وما فيها تؤكد أن «جمال مبارك أفضل من الصورة»، التى تصنعها له الحاشية الصحفية وكانت هذه هى اللعبة التى كشفت بعد الثورة، ولم يكن من الممكن لمن هو مثل عبد الله كمال التراجع عنها أو تغيير مواقعه.