وائل عبد الفتاح يكتب | عادت من مرقدها
ظهروا يوم الاحتفال بالسنة الثالثة على الثورة.
لم يكن الظهور الأول.. لكنه الأقوى.. أو الأقرب إلى إعلان الوجود فى قلب المستقبل السياسى بعد أن كانوا من ميراث الماضى.
لم يخرجوا من الشقوق مثلما كان يحدث فى المرات السابقة/ لكنهم تجولوا فى الشوارع/ واحتلوا ممرات وسط البلد/ وصنعوا المصائد المفتوحة لكل من يخرج على الكرنفال فى ميدان التحرير.
هم حماة الطقس الهستيرى/ بناة الدولة الخلفية/ يرتدون ملابس مدنية ويطلقون الرصاص على الصدر وفى الرأس… ويسميهم الإعلام «المواطنون الشرفاء»… بينما هم بلطجية معروفون يعملون لحساب من يتصور أن السيسى سيكون طريق عودته إلى حياته القديمة… أو بمعنى أدق يتخيل هؤلاء أن وصول السيسى للرئاسة فرض الخنوع على من يرفضون تحكم عصابة فى السلطة والثروة…
وبغض النظر عن صحة الفكرة/ أو استحالة العودة/ أو الرغبة والقدرة فى فرض الخنوع/ فإنهم قادوا استعراضا دمويا… يستغل حالة الفزع العمومية من الإرهاب والإخوان… وتصور أنهم أرواح شريرة تشعرهم بالعجز وليس أمامهم إلا حفلات الزار الراقصة… انتظارا للمخلص.
إنهم «جيش إنقاذ» سيفلت من السلطات الرسمية إن لم يبتلع مكانه القديم ويعيد إنتاج «حكم العصابات» الذى كان قد وصل إلى ذروته الأيام الأخيرة لمبارك… وبدأ اصطياد رمزهم الكبير «نخنوخ» أيام الإخوان نذير نهاية لدولتهم.
هم حكام الشوارع فى ظل حكم الدولة البوليسية/ يد سوداء تفعل ما تعجز الأجهزة الأمنية عن فعله..
يحققون عدالة تجعل من أشخاص «UNTOUCHABLE» ممنوع الاقتراب واللمس، شخصيات فوق القانون، يحميهم جيش من المأجورين، وعصابات تزوير وقتل وتلفيق قضايا.
الوجود بالعصابات… أصبح قانونا.
لا فرق هنا بين شخص مشاغب يبنى سمعته على امتلاكه عصابة سرية.
وبين شخص يؤجر بلطجية، لكنه طيب، ولا يحب المشكلات.
لكنه قانون الملعب إذا أردت البقاء داخله.
العصابات السرية عادت من مرقدها مع مخلفات الدولة القديمة حين كانت تحسم الخلافات وتفرض حضور القادر على دفع تكاليفها. أحد مهامها: تصفية أصحاب «اللسان الطويل».
أحد خبراء الحكايات الخفية روى لى أكثر من مرة عن عصابة حقيقية يديرها سرًّا ومباشرة شخص كبير فى السلطة. كبير بالمعنى الموجود فى السنوات الأخيرة. قريب جدًّا من القصور التى تحكم مصر. لديه ألف يد تطول كل كبيرة وصغيرة. لا مكان بعيدًا عن سطوته. ولا متعة مستحيلة التحقيق. يمتلك السلطة والثروة. وكان ينقصه السلاح فاكتشف موضوع العصابة التى يمكنها تصفية الخصوم وتأديب المعارضين. ويمكنها أيضا ضمان السكوت عن فضائح يراها أهل الليل والسهر وهواة الاقتراب من الكبار.
العصابة هى الستار الحديدى الذى يعمى الأبصار عن فضائح الكبير وغزواته الليلية. قد تكون العصابة حكاية من اختراع خبير الأسرار، أو شائعة منتشرة فى كواليس السلطة. ويريد صاحب النفوذ بانتشارها بث الرعب فى قلب من يفكر فى الاقتراب أو كشف المستور.
لكن الحقيقة أن السياسة فى مصر لم تعد بعيدة عن مناخ حرب العصابات. وعصابة الكبير ليست موجّهة فقط للمعارضين، لكنها جاهزة لتصفيات على مستوى ضيّق فى النخبة. يمكنها أن تؤدّب من تجاوز دوره على طريقة المافيا.
وما يحدث فى مصر ليس بعيدًا عن أجواء المافيا. العائلة هى نواة التنظيم الكبير. ليس المهم أن تكون العائلة رابطة دم أو زواجًا فقط، وهو ما حدث فى نظام حسنى مبارك إذ تحوّلت النخبة إلى عائلة بفعل المصالح.
هذه المجموعة لم تكن تمتلك أدوات جديدة غير التى تعلّمتها عبر نصف قرن. وليس أمامها الآن، هذه المجموعة، وهى تعود من ضعفها أو اقترابها من النهاية، إلا استخدام أى أسلوب حتى القتل أو التصفية المعنوية أو الجسدية. عقلهم مرعوب من فكرة التغيير. عقل موظفين يعيشون أمراض الشيخوخة. عقل بُرمج على خدمة السلطة ولا يمكن أن يبدع أو يفكر خارج برنامج الخدمة الدائمة للجالس على العرش.
ليس أمام هذه المجموعة إلا استعادة القدرة على تحويل الفساد إلى قانون من الموظف الكبير إلى الصغير. قانون تحميه أخلاق الحفاظ على الأسرار وتوريط الجميع فى العمليات القذرة. وهو أسلوب شهير فى نوع من المافيا مهمته القتل أولا دفاعا عن وجود الكيان الأكبر.