وائل عبد الفتاح يكتب | على أبواب واشنطن
لن يعود السيسى من واشنطن بطلا كما صورته بروباجندا بائسة. كما لن تكون الزيارة مجرد واحدة من «بروتوكولات علاقات التزاوج».. كما صورتها البروباجندا النقيضة فى موقفها والمتنافسة على بؤسها.
حاولت البروباجندا البائسة تصوير زيارة السيسى لواشنطن على أنها «غزوة البطل»، أو على الأقل «مباراة على البطولة» بين فريقين.. وهى تصورات كلها تنافست فى البؤس، الذى لم يفعل سوى تأكيد تهافت الخطاب السياسى عند طرفى «السيسى كاتل» أو «السيسى رئيسى»، وما بينهما من إعلام يسير مصاحبًا كأنه طرف فى المعركة، وليس لديه سنتيمتر واحد من مهنية أو احتراف تفصله عن الاصطفاف.
غابت السياسة وكل الأشياء الأخرى عن تجمعات المعارضين والمؤيدين، ولم يبقَ إلا الردح والشرشحة ومكايدات «خالتى فرنسا» تعبيرًا عن تزاوج مدهش بين «العقليات الخرافية»، التى تصور معركة بين أوباما والسيسى تشبه السيرة الهلالية، أو خبل أبو لمعة الأصلى فى صنع «حياة موازية» لا واقع لها أو علاقتها بالواقع ضعيفة جدا. الزيارة هى نقطة انتقال فى العلاقة بين السيسى وأمريكا من جهة/ وفى مسار حكم السيسى نفسه من جهة ثانية/ انتقال يمثل العنصر المؤثر فيه إعادة الاصطفاف الإقليمى على خلفية التحالف ضد «داعش».
وهذا ما يفسر التلطيف فى علاقات مصر وتركيا وتراجعات قطر وإعادة ترتيب موقع مصر بعد دخولها فى التحالف.. وهو ما يجعل زيارة السيسى لواشنطن تدشينا غير معلن لمرحلة جديدة فى حكمه، يبدو أنه يقرأ فيها من كتاب مبارك (تلطيف الأجواء السياسية قبل الزيارة/ إعلان إجراءات تمنع عنه الحرج/ وعود بانفتاح ومصالحة مع المعارضة.. إلى آخر الخطوات التى تبدو أقرب إلى التحضير لمؤتمر صحفى أو حفلة مساءلة كبيرة)..
لكن زيارة السيسى.. ليست كذلك.
لأنه بعد سقوط المرسى بدت العلاقة بين مصر وأمريكا.. فى وضع «صفحة طويت/ ولم تطوَ/ وصفحة جديدة ستفتح/ ولم تفتح..» فى نفس القصة/ نفسها، التى لم تبدأ من أوتوبيس ظهر فى شوارع القاهرة سنة 1974 وعليه تلك الصورة المقبضة، يدان فى لحظة مصالحة دون حرارة. وعلى خلفية العلم الأمريكى الشهير، المثير، وربطت الانتقال الوردى فى العلاقة بين مصر وأمريكا من العداء إلى التحالف بحضور المعونة ورموزها المباشرة.
ولهذا كانت قرارات المعونة هى ترمومتر العلاقات وأحد مفاتيحها المهمة.. وهو ما بدا فى الواقع، خصوصًا خلال سنوات مبارك أن أمريكا لا تريد تحولا ديمقراطيا فى مصر، تريد إجراءات توحى بالديمقراطية تضمن لها إعادة شحن لوكالتها التى قامت على أن الحاكم يصنع الفراغ من حوله. أن يحجز لمصر مكانا لا تفعل فيه شيئا. الحسابات تتغير والإدارة فى واشنطن تعانى من أكليشيهات استشراقية وصور جامدة تحركها نظرات النيو ليبراليين، الذين ينظرون إلى العالم من خلال فتحات إلههم الكبير: السوق.
لهذا فالرسالة مشوشة/ سنقطع ولا نقطع/ شدة أذن ستقابل بصراخ فى القاهرة ونصب افتراضى لذكورة جديدة/ رغم أن حديث المصالح لا يتوقف عند المعونة: إنه تحالف استراتيجى يضمن مصالح أمريكا وأمن إسرائيل.. + سند مالى لإعادة هيكلة اقتصادية للدخول فى السوق + ربط بماكينة التسليح الأمريكية.. أى خلطة مصالح سياسية (هيمنة أمريكا وفكرة إسرائيل)، واقتصادية (تجارة سلاح وارتباط برأسمالية عالمية)، وعسكرية بالطبع (حيث لا تغلق ممرات عبور أمريكا إلى تلك المنطقة من العالم بما يعطل حروب السيطرة).
سر المنعطف الدراماتيكى فى قصة «المعونة» سينكشف بعد زيارة السيسى: هل سيتجدد التحالف والوكالة الإقليمية؟ هل تتعدل قواعد التوازن الاستراتيجى ليكون دور مصر واضحًا فى التحالف ضد «داعش»؟ كيف سيكون موقع مصر فى إطار البحث عن الإسلاميين المعتدلين؟.. وهنا كيف سينعكس ذلك على علاقات السيسى والإخوان؟ هذه أسئلة ستغير شكل المنطقة فى ظل حرب لن تنتهى سريعًا.. وتدور بعناصر ليست كلها فاعلة ولا قادرة على الحسم.. لكنها ستشهد فقرات مدهشة مثل احتلال الحوثيين صنعاء.. وهو مشهد يلخص الأيام القريبة القادمة، حيث تلتقى المأساة والمسخرة فى بروجرام واحد لا يمكنك التمييز بينهما.