1- كيف سنعيش الفترة القادمة؟ سؤال فى كل بيت وعلى اختلاف الأهواء والانقسامات حول ثنائية (سيسى/ إخوان).. السؤال يفتح الباب أمام إعادة تشكيل الانحيازات من جديد.. خفتَ حضور الإخوان كطرف فى المعادلة مقابل الانقسام حول إجراءات التقشف.. والتفكير فى المستقبل..
2- خفوت الإخوان يرجع إلى وقوع خطابهم فى فخ «التشفى» بمنطق «اشربوا يا بتوع السيسى.. » ليثبتوا أنهم لم يفشلوا فى تجربة المرسى، ولكنهم متناسون أن مرسى والجماعة التى أرسلته مندوبًا للقصر لم تكن لديها رؤية غير «قبضة التسلط»، وهى المعركة التى خسرت فيها، فهناك من انتصر وفرض قبضته باعتباره الممثل الشرعى والوحيد للدولة.. بينما المرسى وجماعته غرباء.
3- دائرة الاستقطاب تنفتح الآن لتطرح أسئلة أعمق مِن: «ولا يوم من أيامك يا مبارك» مقابل «ولا يوم من أيامك يا مرسى.. » أو «تنازع الشرعيات».. إلى التفاعل مع إجراءات وسياسات تتم بسرعة مذهلة، وعشوائية تقتنص بندا من أجندة الهيكلة.. وتترك الباقى.. تغلق عقلها على حل مشكلة راهنة (مثل عجز الموازنة) وتتعثر فى ربط القرارات بحزمة سياسات لا تجعل تكلفة الأزمة الاقتصادية تقع على عاتق الفقراء أو الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى.
4- وكالعادة طغت الهيستيريا على الحوار حول إجراءات السيسى.. «إنها أيام سودا..» لقد اقتربنا من «الدخول فى الحيطة..» أو «انتظروا ثورة الجياع..» و«إنها 18 و19 يناير القادمة..»، وهذه الاستعادة لأحداث من الماضى أو إسقاطها على اللحظة الراهنة، عجز كبير أو رغبة فى نقد الإجراءات الصادمة عبر شيطنتها أو استحضار شبح الرعب من المستقبل.
5- استحضار الشبح.. ومن دون مجال سياسى/ ديمقراطى وفاعلية لقوى ديمقراطية بعيدة عن تدجين السلطة.. يصب فى النهاية إلى «الاستسلام الشعبى للأمر الواقع..».. مع اتساع رقعة «الاحتقانات الصغيرة» والبحث فى سراديب «الاقتصاد السرى» عن طرق مواجهة آثار صدمة السيسى.
6- والمدهش أنه فى مواجهة آثار الصدمة لم يكن أمام السيسى وأجهزة دعايته إلا خطاب التبرير».. لم يكن هناك بديل وهذه «جرعة المرارة» التى لا بد من تجرعها لعبور الأزمة/ والمحنة.. بل إن السيسى ذاته وصل بتوصيف الوضع إلى أنه «حرب..».
7- بمعنى أن السيسى أعلن أننا فى «اقتصاد حروب..» من دون أن يعلن ما «الحرب» وما أهدافها؟ وهذا ليس كلامًا دعائيًّا، فاستحضار زمن الحروب مع إسرائيل، ووقوف الشعب مع الدولة وتحمل فاتورة النصر على إسرائيل.. كان أولا من أجل هدف واضح «إعادة تسليح الجيش..»، ولأنه كان من دون سياسة ولا رؤية اقتصادية، فكانت نتيجته كارثة «الانفتاح السداح مداح» وماراثون النهب وتكوين ثروات بلا حدود للقناصين الذين سدوا منافذ النمو الاقتصادى بمساعدة السياسات العرجاء والمنحازة للدولة.
8- أى إنه فى زمن الحروب العسكرية/ ورغم وضوح الهدف/ دفع الفقراء الفاتورة فما بالك بحروب متخيلة مثل التى يلحَّ عليها السيسى.
9- وما بالك بإدارة الحرب بعقل لا يرى إلا من ثقب الأزمة.. فالإصلاح الاقتصادى (حتى بالنسبة إلى المدافعين عنه) لا ينشغل فقط بعجز الموازنة.. ويختار من كل البدائل علاجها بالتقشف فى الدعم.. مما سيرفع التكلفة على القطاعات الواسعة/ المنهَكة اجتماعيًّا/ وهو ما يؤثر سلبا على أحوال ونفسية قطاعات هى «وقود» أى عملية بناء اقتصادية.
10- الاقتصاد ليس تداولات مالية، ويختلف عن فكرة إدارة البيت وتدبير ربات البيوت، كما أنه ليس دكانًا يقوم على شطارة صاحبه.. الاقتصاد سياسات.. وعلاقات تنظم المجتمع وتهدف إلى تنميته وتحقيق سعادته.
11- وهنا لا يمكن للاقتصاد أن يعمل وحده من دون سياسة تعرف الخريطة الاجتماعية، وتدرك أبعاد أى قرار.. وهو ما تفتقر إليه إجراءات السيسى التى اعتمدت على عقلية «الأوامر والحنية».. يعنى اؤمر ونفّذ ثم اخرج على الناس بخطابات «التضحية من أجل مصر» و«مصر بتناديكم..» وفى المقابل فإنه ليس أمام الدولة لتنفيذ أوامرها إلا استعادة ما تخلت عنه عجزًا (تسعيرة جبرية/ أوتوبيسات الجيش/ جمعيات تعاونية).. وهى كلها حلول مؤقتة.. ومعبرة عن بؤس فى الخيال.