وائل عبد الفتاح يكتب | عندما تذكرت حرب البقالة
عشنا حرب البقالة سنوات طويلة، أبطال هذه الحرب نهايتهم تراجيدية/ لكن الحرب لا تنتهى/ تقدم أطرافا جديدة/ وينتصر المنتصر فيها لحظات بسحق الآخر ولحظات أخرى بالتنسيق معه عندما يدرك فشله.
تذكرت مقالى عن حرب البقالة.. فى الذكرى الثانية لموت اللواء عمر سليمان مدير المخابرات فى سنوات مبارك الأخيرة.. الذى كان أكثر من ٢٥ ألفا ينتظرونه على صفحات الـ«فيسبوك».
العودة كانت فى 4/4/2014 كما يليق بالأساطير أن تختار مواعيدها.. ولم تتم العودة/ ولا نعرف ماذا فعل المنتظرون فى انتظارهم،، وهو انتظار يختلف عن انتظار عودة المرسى.. الذى يمثل أهم الأساطير المحافظة على ما تبقى من جماعة الإخوان.
لكن فكرة الانتظار نفسها تعبر عن الجانب الخرافى فى طرفى حرب البقالة أو الصراع على السلطة بين «الدولتيين» و«الإسلاميين». هذا الجانب هو الأقوى والأكثر فاعلية.. لأنه يعتمد على «ضعف» و«عجز» قطاعات واسعة من المجتمع وتعاملها مع السياسة والحكم والسلطة على أنها مهام «كهانة» مقدسة.. لا دخل للشعب بها.. الشعب الذى عليه أن يغرق فى البحث عن لقمة العيش أو الحفاظ على تصريح تكوين الثروة.
ارتباط قوى بين النظر إلى السلطة بمنطق علوى/ أو ما وراء اهتمام الشخص العادى وبين سيطرة الكهنة على «البقالة».
فى مقالى عن حرب البقالة.. حاولت التفكير فى دور كل من عمر سليمان وخيرت الشاطر فى تلك الحرب.. وكتبت أن كليهما عبوس.. متجهم كمن يحمل هما تراجيديا أو مهمة كونية.. أو تنحشر داخله مشاعر محبوسة تحت ثقل المسؤولية.
عمر سليمان مات بينما ما زال هناك من كان ينتظره، وخيرت الشاطر غاص فى زنزانته لا يصدر عنه كلمة أو تصريح ولا يقترب منه حكم.. كأن مقامه أعلى من المرشد نفسه، أو كأن الاقتراب منه سيفسد الحرب التى يجب أن تظل مستمرة..
كلاهما أكبر من حجمه وإمكاناته.
عمر سليمان لم يعرف بكل خبراته أن يلعب دور بوتين فى روسيا، المقاتل الماكر الذى حافظ على بناء دولته الأمنية بعد سقوط الشيوعية التى بنتها.
بوتين مدير مخابرات قدم موديلا للانتقال.. استوعب وضع روسيا.. وهندس إقامته الطويلة بمراعاة طبيعة شعب خارج من قهر أباطرة الشيوعية.
لكن عمر سليمان فاقد لهذه الملكات أو المواهب أو القدرات خارج حدود مهماته.. يشبه رئيسه.. وعصره.. خرج بوجه كئيب بينما كانت الثورة ضاحكة وخفيفة ومبهجة.. فخسر صورته التى صنعت سنوات طويلة، وبدت محدوديته واضحة بعد خروجه من الغرف المغلقة.
وهذا ما حدث مع خيرت الشاطر، الذى عاش طويلا فى تقوية تنظيم تحت الأرض بكل حيل التجار، الذين يستعيدون ثرواتهم بقوة شخصياتهم، لكن هذا ليس دليلا على عبقريتهم الاقتصادية.
لمَ؟
عمر سليمان هو أحد أسباب عجز الشعوب ونتاج هذه العقلية العاجزة.
كما أن خيرت الشاطر هو قناص شعوب تستهلك ولا تنتج.. وأفكاره لا تتعلق سوى بتغيير وجهة الاستهلاك.
هى معركة رمزية بين نجم واقعية مبارك فى مواجهة واقعية ما بعد مبارك.. هذه هى القصة بينما الثورة فى مكان آخر تتجول فى الشوارع وبين قوى جديدة لتبنى شبكتها المعتمدة على خيال جديد.. وأحلام جديدة.
عمر والشاطر هما تلخيص معركة تتم بقوانين مبارك وعقليته وواقعيته البغيضة، الباردة، المملة..
الثورة هى خيال خارج واقعية المتاجر الكبرى للسياسة: النظام والإخوان هما متنافسان قديمان، كما كان «التوحيد والنور» هو منافس «سيتى ستارز».. و«زاد» الآن بديل «مترو».
هل انتهت الحرب على البقالة؟