وائل عبد الفتاح يكتب | قاتل طيب جدًّا..
هل ذهب أحمد الدروى إلى «داعش» لأن «حلمه كُسر..»؟
هذه أسطورة من أساطير التبرير الشائعة لمن يقرر القتل باسم الله.. «إنهم ضحايا» لكن ليس كل ضحية ينتقم من جلاده بقتل وإعدام وقهر ضحايا آخرين باعتبار أن سبب قهره لهم «كثر نبلا..» أنه يقتل باسم الله، بينما يقتل رجل البوليس باسم الحاكم أو كما يتخيل (باسم الوطن).
هذه الأوهام هى صديد سنوات نراه الآن متجمعًا فى صورة «داعش» التى ذهب إليها «الدروى» المعروف بدماثته وطيبته وحسن أخلاقه، بل ووسطيته ورغبته دائمًا فى الابتعاد عن «المشكلات».. كيف هاجر من حالة «المواطن المثالى» صديق الجميع إلى صورة «المجاهد الأكليشيه بأزياء من تصميم عقول تنظيمات ما بعد أفغانستان؟ كيف هاجر إلى الكلاشينكوف بعد أن كان يختار موديلات غربية فى الملابس الخفيفة أو تلك التى يضع فيها الكوفية فى فتحة القميص؟!
محاولاته ليبدو عصريًّا، حتى وهو قريب من السلفيين كيف تحولت إلى محاولته الاقتراب من الموديل الذى جعله أمراء «القاعدة» الشكل المعتمد للمجاهد دفاعًا عن الإسلام؟
ويسأل أصدقاء له من مجموعات «ائتلاف شباب الثورة» وقبلهم من خريجى نفس دفعته فى كلية الشرطة «كيف تحول المعتدل إلى إرهابى»؟
وهذا سؤال يعكس صدمة متعددة المستويات، لكنها تؤكد أنه فى إطار تيار يريد السلطة باسم الإسلام ليس هناك معتدل/ إنه مشروع قاتل/ قرار مؤجل بالعنف يكمن فى وعى مَن يتصور أن تدينه لن يكتمل إلا بالوصول إلى السلطة.
الدهشة من تحول الوديع الطيب إلى قاتل يستعرض وقفته بالسلاح ويفخر بالسكين والذبح ويدخل فى «الدور..» هى استجابة لنوع من التربة التراكمية بأنه باختياره أصبح منتميًّا إلى الفرقة الناجية أو الطليعة المؤمنة التى لا يستوى مقامها مع المجتمع الكافر/ وسلطته الكافرة.
هذه التربية تمنح حياة الشخص معنى خادعًا/ ووهمًا بأنه «نبى..» و«صحابى..» و«حامل شرع الله» كما صورته روايات التجنيد الأولى فى هذه الجماعات، والتى كان أشهرها فى الثمانينيات الفيديوهات المصورة للبطل المغوار عبد رب النبى السياف/ والتى كانت تعرض فى الجامعات واحتفالات ومحاضرات تربية الفرد للدخول فى «الجهاد..».
الدروى تصور أنه لم يعد لديه إلا التورط التام فى جيش الخلاص/ الذى سيخلص البشرية من آثامها ولو بالقتل/ ومثل كل جيش خلاص، فالمنتمون إليه حالات إنسانية ونفسية تحتاج إلى دراسة وتأمل.. وفى هذه الحالة نحن أمام قطاع من عشاق الوقوف فى الوسط يعبرون فى برهة قصيرة إلى استعراض الهوس الجماعى.
رأيناهم فى المجموعات المجذوبة بحازم أبو إسماعيل ولم يكن جميعهم فقراء/ أو محتاجين/ لكن بينهم مَن كان يقف فى منتصف الطريق/ لا هو متفوق ولا هو فاشل/ لا هو ناجح اجتماعيا ولا هو مطرود أو منبوذ أو لديه حتى ما يختلف به مع الناس.. إنها كائنات ترى فى الجسم الكبير لكيان سياسى بلا ملامح كما كان الحازمون أو فى فرقة القتل المسماة «داعش».. مكانًا مفجرًا لطاقات كامنة.
آلاف مثل الدروى وغيره من الطيبين صنعوا كارثة هتلر.. فقد كانوا جمهوره الذى يبكى من خطبه وجيشه الذى خرج إلى العالم مبشرًا بالدولة النازية منقذة البشرية من ضعفها.
آلاف مثلهم.. يصنعون الدمار والقتل والخراب بهذه الطيبة المفرطة.
هذه الآلاف هى وقود تنظيمات عاشت على نشر الكآبة والذنب العمومى.. واستسهلت الإجابة عن الأسئلة الكبرى عن التخلف بأننا عصاة أو كفار، نستحق القتل بالرصاص والقنبلة والجنزير.. ليتطهر المجتمع.. وبين قتلنا بالكآبة أو بالرصاص تشكل جسدًا ضخمًا من تنظيمات يدَّعى كلٌّ منها أنه الفرقة الناجية فى مواجهة مجتمع كافر.
تلك الفكرة القنبلة، أطلقها «سيد قطب» مستثيرًا كل جروح العجز فى «المستضعفين» ونافخًا فى مشاعر الاضطهاد عندهم هو نبى التطرف الذى حوَّل ألمه الذاتى فى سجون عبد الناصر إلى خطاب متكامل، أصبح فيه الألم رغبة فى الانتقام، وجدت مرجعيتها فى أفكار أبى الأعلى المودودى فى الهند.
صورة محفورة بخليط الاضطهاد والتضحية ودفع الثمن والاغتراب عن الواقع. والهجرة بعيدًا عنه إلى موديل حياة يتخيلون أنها تشبه التى عاشها النبى محمد والصحابة.
فى الفكرة إرهابى كامن.. يتصور أن عنفه مقدس.. يحمل تصريحًا إلهيا يجعله يقسم العالم إلى «فسطاطين..» وحتى فى قمة الاعتدال، فإن علاقة العنف قادمة، لأن الإيمان بالفكرة يجعلك تلغى الآخرين.. (بالتكفير والتعالى القائم على أن الحق معنا وحدنا) وتلغى حتى أفكار التسامح التى تنشأ فى فترات الاستضعاف وتظهر من الأعماق العدوانية سافرة.. من دون حتى المكياج المتقن.