وائل عبد الفتاح يكتب| مستعمرات تربية المواطن الصالح«1-2»
لماذا نريد عودة الدراسة فى الجامعات؟
وقبل ذلك: هل لدينا جامعات؟
سؤال لا ينشغل بقائمة أهم الجامعات التى خَلَت منها أى جامعة مصرية.
فالقائمة تحتاج إلى تحليل لا ندب.. نظرة إلى معاييرها لا ولولة على الاختفاء منها..
لكن السؤال يتعلق بوجود «الجامعة» فى حياتنا. ذلك الوجود الذى غيَّر الحياة مع تغيير مفهوم التعليم من الحفظ والسير على الثقافة السائدة إلى التحرر والخيال.
هذا أساس الجامعة كما نفهمه من قصص انتقال التعليم إلى المعرفة والتفكير لا فى تأبيد السائد، وقصقصة ريش المتمرد والخارج عن القطيع.. لكن هذا ما تفتقر إليه مصر منذ سنوات، حيث تضيع قيمة الحرية والتفكير لصالح تحويل الجامعة إلى مؤسسات تربية المواطن الصالح..
وعندما نسأل اليوم: لماذا تؤجَّل الدراسة؟
لماذا تخاف السلطة من الطلاب؟
فهى أسئلة ليست مهمة فى ذاتها..
وعندما يرفع شعار «الجامعة للعلم فقط..» فإن هذا لا يعنى أن العلم سيكون سيد الجامعة.. لكنه يعنى أن توجيهات السلطات من الرئيس إلى المدرس ستكون هى ما يتعلمه الطالب فى سنواته الجامعية. التعليمات والمناهج التى تعيد تدوير المحفوظات ليحصل الطالب على شهادة من سلطات مستبدة حديدية بأنه «مؤهلات عليا..».
الجامعة فى مصر تسير أبعد قليلا عن ماركيوز وأفكاره عن تثوير الطلاب للدولة/ أو قيادتهم باعتبارهم «كتلة حرة» لمجتمع واقع تحت سطوة سلطة الاستبداد..
إذن عاد الحرس.
المحكمة أصدرت قرارا بعودة الحرس الجامعى/ بوليس الجامعات/ بعد أن أُلغى وجوده بالثورة.
عاد الحرس فى ميلودراما ثورية تغلق الأسئلة بالأمن/ حيث غرست السلطة الجديدة أداتها القديمة (.. دون تفكير فى التغيرات التى طرأت على الأرض..) كأن الجامعة يمكن أن تعود أو أن الأجيال التى واجهت السلطة فى الشوارع يمكن ترويضها بنفس الأداة؟
تحتار حكومة المقاولين/ الجنرالات فى الجامعة التى لم تعد تصلح حتى لكوميديا تحصل فيها «زوزو» على جائزة الطالبة المثالية، ويصرخ فيها الطالب الذى يغلق قميصه حتى الزرار الأخير: «جمعاء..».
الحكومة حائرة فى موعد إعادتها/ وموقع الشرطة داخل/ خارج الحرم.. وأصدرت التعليمات وخرجت من أدراج الموظفين صكوك يوقّع فيها الطالب على تعهّد: «لن أعمل بالسياسة»..
بينما كانت كوميديا صلاح جاهين وسعاد حسنى وحسن الإمام (خلّى بالك من زوزو) تطرح أسئلة حول تأثير الجامعة فى المجتمع (هل حررت المجتمع من أوهامه فى تقسيم الطبقات؟ هل تصنع مستقبلا أم تبقى أسيرة الماضى؟).
الجامعة التى اختارت قصة أحمد لطفى السيد رمزا لاستقلاليتها (٩ مارس)، لأنه استقال احتجاجا على إقصاء طه حسين من الجامعة سنة ١٩٣٢/ وكان وقتها يضع الجامعة فى إطار معركة الحرية، لا فى تحويلها إلى إدارة عموم مخازن موظفى دولة الجنرالات المقنَّعة.
الجامعة كانت ممرا طبقيا وسلما للصعود الاجتماعى، لكنها بعد أن استقالت الدولة من مهامها البطولية/ واكتظت الدواوين بالموظفين أصبحا عبئا أو فاتورة تدفعها الدولة لتحافظ على وهم القطعان فى «الشهادة الجامعية».
لم يعرف جيلى الجامعة إلا بأسوارها، وحراسها، وفقدانها مزايا الحريات التى حاصرها شركاء السلطة (الشرطة طاردت السياسة، والإسلاميون طاردوا أول مكان للقاء اجتماعى حر..)، وهنا ظهرت فرق مخبرين وبصاصين لصالح «أمن الدولة»، وفرق الأخلاق الحميدة التى صنعت فواصل بين الطلاب والطالبات وهندست الحيز الاجتماعى لتنتصر الثقافة السلطوية المحافظة.