مجموعة سعودي القانونية

هذه التصدعات المتوالية فى الجمعية التأسيسية للدستور لا تنبئ أبدا بأن دستورا يتوافق عليه المصريون جميعا قادم فى الطريق، فالمنسحبون الخمسة الأساسيون لم يعودوا حتى الآن، والخمسة الذين وعدنا بإضافتهم تحقيقا للتوازن المطلوب لايزالون محبوسين فى تصريحات صحفية وعبارات مقتضبة فى لقاءات الرئيس بفئات من النخبة المصرية، وها هى منال الطيبى ترفع رقم المنسحبين الأساسيين إلى ستة.

حتى العشرة الذين تم الإعلان عن أسمائهم كلجنة استشارية فنية أقرتها الجمعية لم يتواصل معهم أو يدعوهم أحد لحضور الجلسات والمناقشات الخاصة بمواد الدستور التى لا يمر يوم دون أن يعلن عن نزاع حول واحدة منها.

وكل هذه الإشارات تكشف عن إصرار غريب على حالة الإعتام التى تلف عملية صياغة الدستور، وتوسع رقعة التوجس والتشكك والتشكيك والتربص والغضب، المنطقى منه والكيدى، الأمر الذى يثير الدهشة من حالة اللامبالاة التى تتحكم فى القائمين على الجمعية التأسيسية، وكأنهم قرروا أن يصموا آذانهم ويغلقوا أعينهم فى مواجهة المخاوف والمطالب وصيحات الغضب المتصاعدة ضد الدستور القادم.. وهذه الصمت الواثق من قبل قيادات الجمعية لا معنى له إلا أن شيئا غامضا يتم تجهيزه فى الخفاء، ربما يثير مزيدا من دوائر الاستقطاب والغضب والابتعاد عن التوافق والإجماع الوطنى، خصوصا عندما يخرج قيادى إخوانى بحجم الدكتور غزلان ليعلن أن الرئيس مرسى سيعيد الجمعية بالتشكيل ذاته لو حلت بحكم قضائى.

إن الدستور ينبغى أن يكون شغل مصر الشاغل فى هذه المرحلة الملبدة بغيوم كثيرة، وعليه لا يجب أن يتوقع أحد استقرارا وهدوءا دون أن يتم إنجاز دستور يرضى جموع المصريين، ويستجيب لتطلعاتهم للمستقبل، بعيدا عن معايير الكثرة والمغالبة والوزن النسبى، وبمعزل عن هيمنة فصيل أو تيار يحاول أن يصبغ الدستور باللون الذى يريد.

ويخطئ من يتصور أن بلعوم المصريين لايزال قادرا على ابتلاع استفتاء آخر على طريقة استفتاء ١٩ مارس، أو أن معدتهم ستهضم هذا الصنف مرة أخرى، فقد جربناه ودفعنا ثمنه فادحا فى صورة كوكتيل من أمراض الفشل السياسى والتلبك المجتمعى، ولا نزال نشكو من هذه الآلام حتى اليوم.

وفى هذه الأجواء العصيبة يبقى على الجمعية التأسيسية أن تقدم على خطوات وإجراءات تمنح بعضا من الطمأنينة والارتياح للشعب المصرى، وتبدد المخاوف المتفاقمة يوما بعد يوم من دستور المستقبل.. ودون ذلك ينفتح باب التكهنات والتخمينات والقلق من أن البعض يمارس نوعا من الاستبداد والديكتاتورية الدستورية، وهو مطمئن إلى أن شيئا لن يوقفه أو يحول بينه وبين دستوره الخاص.

لقد ندم المصريون حين تخلوا فى وقت مبكر من الثورة عن مطلب «الدستور أولا» وأزعم أنهم سيندمون أكثر لو لم يناضلوا فى المرحلة الحالية تحت شعار «الدستور أولا وثانيا وثالثا وأخيرا» لكن أى دستور؟ تلك هى المعضلة.
الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *