أيمن الجندى يكتب | حتى نصحح المفاهيم
من مفاخر الإسلام أنه لم يجعل «الخارقة» وسيلة الإيمان به. لقد طلبها كفار قريش المرة بعد المرة، ورفضها القرآن فى كل مرة. فها هم يطلبون «وَقَالُوا لَنْ نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيل وَعِنَب فَتُفَجِّرَ الأَنْهَـرَ خِلالَهَا تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ السَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِىَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلا. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُف أَوْ تَرْقَى فِى السَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَـباً نَّقْرَؤُهُ».
ويأتى الرد القرآنى قاطعاً نهائياً: «قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولا». ويفسر القرآن رفض قيام الإيمان على الخارقة بأنها لن تؤدى إلى إيمان ما لم يؤمن، فقد ولدت ناقة صالح من الصخر ولم يؤمن بها قوم ثمود: «وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ * وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا * وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا».
فالإسلام لا يريد أن يغلب العقل بخارقة وإنما يريد أن يهديه: «ولَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا».
التصور القرآنى للوجود هو فى حد ذاته الدليل على صدقه. لقد بدأ القرآن بكلمة «اقرأ» وافتتح عصر الرشد العقلى. نؤمن بالقرآن لأنه دلنا على الله الواحد، ونزهه سبحانه وتعالى غاية التنزيه، وسطع الجلال الإلهى فى القرآن أعظم ما يكون السطوع. وكان حاسماً فى تقرير وحدانية الله عز وجل، وأن كل من عداه عبد لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعا، بمن فيهم رسول الإسلام نفسه الذى حمل إلينا القرآن. فكان قمة التشريف له هو إعلان عبوديته، والحرص على تأكيد بشريته، وأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا يملك من الله شيئاً ولو لابنته فاطمة (يا فاطمة اعملى فإنى لا أغنى عنك من الله شيئا).
من مفاخر الإسلام أن النبى صلى الله عليه وسلم مجرد مذكّر، ومجرد نذير بشير، وتابع خاضع لله عز وجل، الذى خلق الجميع، فهو لا يعلم الغيب ولا يملك خزائن الله وليست له طبيعة ملائكية «قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ * إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَىَّ». عبدٌ عابد، ونبىُ ساجد، لا يملك القدرة على الإتيان بمعجزة ولا يعرف إلا ما علمه الله. فيسأل أصحابه أن يبحثوا له عن دابة ضاعت، فيقول قائل: «يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء ولا يعرف مكان دابته» فلا يغضب وإنما يقول بوضوح إنه لا يعلم إلا ما أخبره الله به. ويقول لمن يرتعد فى حضرته: «هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد».
وبرغم هذا الوضوح الشديد فقد تورط المسلمون فى إضفاء القداسة ليس على الأنبياء فحسب، وإنما على الأولياء وعلماء الدين. فما من ولى إلا ويعلم الغيب ويمشى على الماء ويطير فى الهواء. وإذا حاولت أن تخفف من غلوائهم أو تهدئ حماستهم قالوا على الفور: «هل تنكر الكرامة؟».
ومما لا شك فيه أننا لسنا بحاجة إلى تلك الخوارق لنؤمن بالله عز وجل. لقد شرفنا الإسلام بالمنهج العقلى ويأبى المسلمون إلا الخرافات.