عمر طاهر يكتب | ذى آيس ذا فويس
يحاول الواحد قدر الإمكان أن يهرب من المناطق التى تحيطها الناس بـ(الزيطة)، ليس تعاليًا على أحد لا سمح الله، ولكن لأن لا شىء يستحق تلك المرارة التى تلمحها فى عيون الآخرين عندما تبدى خلافًا فى الرأى (موضوع المرارة هذا لفظ أوفر منى الصراحة، فلم يعد هناك مَن يعبّر عن وجهة نظره بنظرة عين -أستثنى من ذلك هانى سلامة- وصارت أكثر الجمل رقّة فى التعبير عن الاختلاف «أنت سقطت من نظرى»)، أقاطع المنطقة التى تكثر حولها الزيطة وكثيرًا ما أنجح، لكن للأمانة فشلت مع تجربة تليفزيونية اسمها (ذا فويس)، ذلك أنها وعلى الرغم من كونها فورمات خواجاتى ثابت عالميًّا ومتكرر فى معظم بلدان العالم، فإن الواحد يتابعه كمسلسل عربى أكثر منه برنامج مسابقات، يفرح لهذا ويترقّب مصير آخر ويرى أحدهم لا يستحق النجاح أو الفشل، يراقب نظرة نجوم قدامى لنجوم قادمين قد يسحبون منهم البساط أو نظرة الحالمين لمن سبقوهم، فرحة الأب أو الأم فى غرفة الكواليس، الشخص الذى يبالغ فى ثقته فى نفسه والآخر الذى لا ينقصه إلا قدر ضئيل منها، لحظات الترقّب أو الخوف أو الصدمة، إلى آخره، مما يميّز أى عمل درامى، الفرق أنه غير سابق التجهيز، لكن اللحظة الأكثر إثارة بالنسبة إلىّ دائمًا هى اللحظة التى يضغط فيها أحد أفراد لجنة التحكيم على الزرار الأحمر، ليختار متسابقًا أعجبه، بغض النظر عن درامية اللحظة، السؤال المتكرر عندى دائمًا عن الثانية التى أُعجب فيها مطرب كبير وقديم وخبير بصوت ما، يظل عضو لجنة التحكيم ينتظر حتى تلك اللحظة فيضغط على الزرار الأحمر بعصبية وتكرار كطفل فرح باكتشاف شىء ثمين، شغلتنى كثيرًا هذه اللحظة، لذلك فى أوقات فراغى (وهى كثيرة.. فالسوق نايم، ولما السوق بيصحى النور بيقطع) أعطى كامل تركيزى على «اليوتيوب» للمقطع الذى يتضمّن هذه اللحظة، أعيد غناء المتاسبق لـ30 ثانية وأُعلّى الصوت محاولًا اكتشاف ما قدّمه المطرب فى هذه اللحظة بالذات فالتفت إليه واحد على الأقل من لجنة التحكيم، هناك متسابق (والكلام نفسه ينطبق على محترفين فى السوق) لم يصبه من نعمة الغناء سوى حنجرة قوية، نعمة اختصه بها الله، لكنه لم يزد عليها شيئًا، مجرد حنجرة جميلة تشبه مشهدًا طبيعيًّا ساحرًا، وهناك مَن أخرج من حقيبته أزميلًا لينحت هذه الجوهرة ليحوّلها إلى شىء يمكن الاستفادة منه، هناك مَن ينحتها لتصبح قطعة من روحه، هى شخصية أكثر منها حنجرة، فإن كانت شخصيته مبهجة كان المنتج النهائى مُشعًّا للبهجة أكثر من سلطنة الطرب، وإن كان به مسّ من الحزن كان المنتج النهائى مشعًّا لشجن نبيل هو فى حد ذاته طبطبة على حملة الأحزان المشتركة، مَن يجعل حنجرته تسير خلف شخصيته يكسب أرضًا أوسع كثيرًا من الذى يسير كالأعمى خلف مجرد حنجرة قوية، لكنها دون وجهة نظر، بعد الشخصية تأتى الكلمة لتتوّج عمل الأزميل، صاحب الشخصية يجيد اختيار ما يقوله وله فى ذلك مرجعية، حيث يطوّع كل ما حوله ليصبح شبهه، بداية من حنجرته مرورًا بما يُقال، تأتى الكلمة لتترجم فى النهاية هذا الشخص، تتحوّل الترجمة إلى ذبذبات كهرباء، هى التى تجعل الحَكَم يقول له أحسنت، بينما يستدير ليكتمل التأثير (الذى حدث بصوت ذى شخصية يقول كلامًا يشبهه) بأن يرى البنيان الذى يقيم فيه هذا التكوين.
هناك متسابق يستحق التفاتة المدرب بكلمة واحدة، هى الكلمة التى خرجت صادقة لأنها تشبهه، كلهم ينغّمون أصواتهم ويقدّمون ما يسميه أهل الموسيقى (العُرب) لكن عُربة واحدة صادقة غير مقتبسة أو خالية من أثر الشخصية (التميّز) هى التى تجعل الحكم يضغط على الزر الأحمر بـ(وشّه).
ليس مهمًّا إلى أى مدى أنت موهوب، الفارق يكمن فى الإجابة عن سؤال: ما الذى قدّمته أنت إلى القدر الذى تمتلكه من الموهبة؟