مجموعة سعودي القانونية

عمرو خفاجى يكتب |  عشوائيات الحكومة

عمرو-خفاجى

لا أعرف لماذا لا تهتم الحكومات المصرية بمسألة بناء الثقة مع المواطنين، فالأزمة الناشئة منذ سنوات طويلة لم تلتفت إلها أى حكومة، ولم يعمل عليها أى رئيس للوزراء، وكنا نعتقد أن عدم الثقة سينتهى فى أعقاب ثورة يناير، لكن على ما يبدو أن الأمور لم تتبدل أو تتغير، فعلى سبيل المثال، حينما وقعت صخرة شهيرة من جبل المقطم على مساكن مجموعة من الفقراء، فى مثل هذه الأيام منذ عدة سنوات، وعدت الحكومة السكان المتضررين بتوفير مساكن بديلة لهم، وحينما غادروا المكان المحطم الذى كان يأويهم، لم يجدوا مآوى حتى هذه اللحظة، والمحظوظ منهم الذى ذهب لمسكن بعيد عن المكان الذى غادره، اكتشف مؤخرا، أن المنزل الذى يسكنه، لا يملكه، وهناك الآن من يطالبه بالمغادرة والرحيل إلى اللا مأوى من جديد، والأكيد أن هذه الحكاية تحديدا، كانت ساكنة، بجميع تفصيلاتها وتطوراتها، فى ذهن سكان «عشش» عزبة النخل، لذا حينما وقعت الواقعة، واحترقت عششهم وانهار الكوبرى الذى كانوا يلتحفون به، رفضوا جميع مبادرات الانتقال إلى أى جغرافيا جديدة، فأصبحت لديهم خبرات لا بأس بها تكشف خداع الحكومة لمن هم فى مثل حالتهم، لذا رفضوا جميع الحلول حتى هذه اللحظة، لأنهم باختصار لا يثقون فى الحكومة ولا يصدقونها، ويرتاحون للعراء والتشرد فى مكانهم المحترق، ولا يرغبون فى الذهاب لجنات الحكومة الموعودة.

إذا كانت الحكومة جادة حقا، فى إحداث تغيير حقيقى فى العلاقة مع المواطن، فأعتقد أنها يجب أن تبد أرحلة التغيير فى إعادة بناء الثقة مع من تحكمهم، فلا مكان لأى وعود زائفة، لأن المواطن لم يعد كما كان، لا يملك إلا أن يصدق الدولة، فأصبحت لديه الكثير من الحلول، فى مقدمتها التمرد على الحكومة نفسها، وعرف طريق الإضراب والاعتصام والرفض العام، ولا حل لمواجهة ذلك إلا بتنفيذ الحكومة للعود التى تطلقها، أو تصمت ولا تهلل لما لا تقدر على صنعه أو تحقيقه، ففعلا المواطن صار يملك الكثير، فى مقابل شح فى الحلول لدى الحكومة، ويبدو أن لحظة الحقيقة قد حانت، وأن الحكومة عليها أن تخرج لمواطنيها بالحقيقة ولا شىء غير الحقيقة، خاصة أننا نعيش حتى الآن مع حكومات تكنوقراطية فنية، غير منتخبة، وغير مسئولة عن الأوضاع التى آلت إليها البلاد، وبالتالى هناك فرصة ممتازة لحكومة المهندس إبراهيم محلب بمكاشفة المواطنين بحقائق الأوضاع التى يعيشونها، ومشاركتهم فى المشكلات والأزمات التى يجب أن يواجهوها سويا.

أحيانا، لا أفهم كيف تتهم الحكومة التى هى مسئولة بحكم تكليفها ووضعها القانونى، المواطنين بسوء الأوضاع، وإثارة الأزمات، مثلما اتهم البعض المواطنين بأنهم هم من يصنعون العشوائيات على سبيل المثال، بل وقال البعض إن أصحاب عشش عزبة النخل هم من أحرقوا (الكوبرى الذى انهار عليهم)، لا أفهم كيف لا تخجل الدولة من عدم توفيرها المساكن للمشردين، ولا أفهم كيف تسكت الدولة عن الأخطاء حتى تستفحل وتتحول إلى جرائم كبرى، كان خبير التخطيط الراحل الدكتور سيد كريم يقول (لو لم تخطط الدولة لاستيعاب الزيادة السكانية وتحدد مناطق توسعات المدن، فكأنها توافق على إقامة المناطق العشوائية) وهذا ما فعلته الحكومات المتعاقبة بامتياز، تقريبا أشرفت على إقامة جميع المناطق العشوائية ثم اتهمت المواطنين بفعل ذلك ولا ترغب فى تصحيح الأوضاع الخاطئة التى شاركت فى صنعها، وإذا كانت حكومة محلب ترغب حقا فى فعل شىء جيد فعليها بفضيلة الاعتراف أولا حتى تتمكن من بناء الثقة الذى هو جزء اساسى من بناء المستقبل.

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *