عمرو خفاجى يكتب | نظرية التحصين
بالرغم من أن العرض الذى قدمه المستشار على عوض، مستشار السيد الرئيس للشئون القانونية والدستورية، كان تفصيليا ودقيقا ومنضبطا وشارحا لعملية الصياغة النهائية لقانون الانتخابات الرئاسية، فإن الصخب السياسى، والصراخ الإعلامى، سارا بالقانون فى اتجاه الغموض وعدم الوضوح والتشكيك فى كل شىء، ولم يذكر أحد من كل الذين تعالت أصواتهم، أن ما يعترضوا عليه بشأن تحصين قرارات اللجنة، كان ساريا ومعمولا به، بل لقى ترحيب كل من شارك فى الانتخابات الرئاسية الماضية، والتى كانت قبل أقل من عامين، ومازالت أحداثها ومجرياتها ماثلة فى أذهان الجميع، صحيح أن التحصين كان منصوصا عليه بوضوح فى إعلان ٣٠ مارس ٢٠١١، إلا أن الجميع لم يلتفت إليه، لأنهم يعلمون جيدا أن زمن تزوير الانتخابات قد ولى، وأن إشراف القضاء الكامل على العملية الانتخابية، هو حماية حقيقية لها، ولعل الجميع يذكر أن هذا كان مطلب المعارضة الدائم فى زمن الحزب الوطنى، وأن الحزب الوطنى حينما أراد تزوير إرادة الناخبين ألغى إشراف القضاء على الانتخابات، وربما ذهب المشرع الحالى للتحصين مستندا على النص الذى يؤكد الإشراف القضائى الكامل على الانتخابات الرئاسية، بحثا عن عدم تعطيل إعلان إسم الرئيس القادم وتسليمه مقاليد الأمور فى أسرع وقت ممكن.
واضح أن التحصين، كان هو الذى استغرق الوقت الأكبر فى عمل اللجنة، فكما شرح المستشار عوض، طال النقاش والعمل ما بين مجلس الدولة والجمعية العمومية للمحكمة الدستورية ومجلس الوزراء، إلى جانب رئاسة الجمهورية، حتى إنه من أجل التحصين، كانت ستتبدل بعض قوانين هيئات قضائية، ثم استقر الرأى النهائى منحازا للتحصين، مستندا على فقه دستورى، فى مقابل الفقه الرافض له، أى أن الاختيار احترم القانون والدستور ولم يتجاوزهما، ثم كان الانحياز واضح السبب، لطبيعة المرحلة الانتقالية، وسرعة استكمال المؤسسات التنفيذية، وليس تفضيل تفسير على آخر، وهو الأمر المحمود فيما فعله المشرع بشأن هذا القانون، ناهيك عن الاحترام الكامل لجميع الهيئات والجهات القضائية والقانونية.
كل ذلك لا يمنع اعتراض البعض على التحصين، وخوفهم من سلب حق المرشح فى الطعن على قرارات لجنة الانتخابات، وهى أيضا وجهة نظر تحترم، خصوصا فى ظل حالة التشكيك التى يعيشها الساسة بمبرر ومن دون مبرر، فنحن لنا تاريخ سيئ فى كل ما يتعلق بخبراتنا مع الإدارة، وربنا يكون المشككون معهم بعض الحق، لكن فى تصورى أن الأمر يتحاوز فكرة التحصين، ونتائجها، لاستخدامها فى ضغوط سياسية أكبر وأهم، وهذا ما يزيد المشهد تعقيدا وارتباكا، وهذا أيضا ما يفسر حالة الصخب والصراخ بين المؤيدين للتحصين والمعارضين له.
أما ما يجب أن نذكره، ونحمده، الشفافية الكاملة فى طريقة صياغة القانون وعرض كل ذلك على الرأى العام، وتقريبا لا توجد تفصيلة لم يعرضها المستشار على عوض فى مؤتمره الصحفى أمس الأول (السبت)، مع شرح وجهات النظر المختلفة، والأمر برمته تم بأسلوب حضارى، وإذا كان لدينا مكسب حقيقى من قانون الانتخابات الرئاسية، فهى تلك الشفافية التى تؤكد أن مصر تغيرت، وأن الإدارة عرفت أخيرا أن هناك حقوقا فى المعرفة لا يجب منعها أو إغفالها عن الرأى العام، وأن هناك احتراما حقيقى للدستور ولمواده، وأن زمن هيمنة الدولة واحتكارها للقرارات قد ولى، وأن السيادة للشعب حقا، أو على الأقل، الدولة بدأت تعمل وتصدر قراراتها فى إطار محدد بفكرة أن السيادة للشعب.