عمرو خفاجى يكتب | قراءة فى صورة عكسية
لا يوجد قطاع فى مصر إلا ويشكو من حاله، ماليا وإداريا وتنظيميا، سواء كان هذا القطاع يعمل فى الدولة ويتبع الحكومة مباشرة، أو يعمل خارجها لكن تظل الحكومة بتشريعاتها ترهقه وتربكه، ومن يفتش عن قطاع لم تصبه هذه التعثرات والأزمات سيجد صعوبة بالغة فى ذلك، فالصورة تبدو واضحة فى قطاعات كثيرة لا تحتاج لبحث أو تنقيب مثل العمال والفلاحين، والعاملين بالمهن الطبية والمهندسين والمحامين والمعلمين والصحفيين، ومن ليس لديه مشكلة مادية يعانى من أزمة مهنية، والأمر لا يختلف كثيرا فى القطاعات الاقتصادية، فقطاع السياحة لا يحتاج انهياره إلى شرح أو توضيح، وقطاع الصناعة يعانى أولا من أزمة الاضرابات والاعتصامات، إلى جانب بعض المشكلات الكبرى مثل أسعار الطاقة والحماية الجمركية ورسوم الإغراق إلى آخر ذلك من مشكلات وأزمات، أما قطاعات التجارة فلا تكف عن الصراخ من حالة الركود التى ضربت الأسواق، والتفليسات التى طالت نفرا كبيرا من التجار، حتى منظمات المجتمع المدنى تشعر بالاضطهاد والمطاردة ومصادرة الأموال، والأندية لا تعرف من يحكمها على المستويين المحلى والدولى، أما التلاميذ والطلاب فلا يعرفون حتى هذه اللحظة ما هو المنهج وكيف يتمون الامتحانات.
الصورة بالغة السوء، أو على الأقل هذا ما نستطيع أن نقرأه مما تقدمه وسائل الإعلام للرأى العام، وبالتالى تكونت صورة قاتمة مستحيلة الوضوح فى ظل المعطيات المطروحة على الساحة، فحتى الأثرياء بدأوا فى الشكوى من فرض ضرائب جديدة لم تفرض أو تطبق بعد، وبصراحة لا أعرف إذا كان رسم هذه الصورة مقصودا ومتعمدا، أم هى طبيعة الشكوى فى ظل جو عام يسمح بذلك، ومبالغات الإعلام التى أصبحت جزءا أصيلا من ممارسته لدوره، وإذا أضفنا إلى كل ذلك عمليات الإرهاب المتنوعة والمتكررة هنا وهناك، مع انتهاكات حقوق الإنسان، والخلافات التشريعية بين الفرق والقوى المختلفة، والتهديدات الإقليمية والدولية، وتضخم أرقام الديون الخارجية والمحلية وعجز الموازنة المتصاعد، فلا يمكن أن نتصور إلا أن هذه البلد يعيش أسوأ أيامه، أو أنه لا يعيش أصلا إذا ما صدقنا تفاصيل هذه الصورة القاسية.
أعتقد أنه صار من الواجب تشخيص الواقع والتعبير عنه بدقة من دون مبالغات، وتحديد المشكلات والأزمات وتقدير حجمها، فلا يمكن قبول هذه الصورة السيئة القاسية، وأيضا لا يمكن تصور أنها حقيقية وتعكس ما تمر به البلاد، أو تمرير فكرة أن لا شىء جيدا حدث منذ ثلاث سنوات، وعلى كل مناصرى الثورة الذين يرددون ذلك ويروجون له، عليهم أن يدركوا أنهم بذلك يقفون فى الصف الأول من فريق معاداة الثورة، وأن هذه الصورة لا يمكن أن تضع البلاد على أى طريق للأمل أو تصحيح المسار، طبعا الصورة ليست طيبة ولا الأوضاع رائعة، ولا الموقف الاقتصادى يبشر بالخير، لكنه فى ذات اللحظة ليس كما يحاول البعض رسمه ووصفه، فهناك نظام فاسد رحل، وهناك شعب صار أكثر وعيا، ومستويات أجور تحسنت ومكاسب تحققت، وانتهاكات توقفت، وحقوق اكتسبت، وديمقراطية تحاول أن تجد لها مكانا على الساحة، وهذا ما يجب تدعيمه والبحث عنه وتقديمه للرأى العام، أما تصوير القصة كلها فى أن البلد منهارة أو ذاهبة على طريق الانهيار، فلا يمكن قبول ذلك أو تفسيره، إلا بنظرية المؤامرة التى أعتقد أنها وجدت فى بلادنا أرضا خصبة للنمو والترعرع، والتأكيد على وجودها بين بنى البشر.