مجموعة سعودي القانونية

عمرو خفاجى يكتب |  الجريمة المزدوجة

عمرو-خفاجى

هل يصدق أحد أن التعديات على الأراضى الزراعية بلغت ما يقرب من ٧٥٠ ألف مخالفة، لم تنجح السلطات إلا فى إزالة ٨٠ ألف مخالفة منها فقط، وهذه التعديات تعنى أننا فقدنا أكثر من ٣٥ ألف فدان من أجود الأراضى الزراعية، فى الوقت الذى نعلن فيه أننا نستورد أكثر من نصف غذائنا، ومع هذه الأرقام لا يمكن أبدا أن ندعى أننا نسير بأى شكل من الأشكال للأمام، بل لقد وصلنا لحالة صعبة وغير مسبوقة فى العبث بمستقبل الأجيال القادمة، ويمكن ما يزيد الأمر ألما أنه عندما تم الإعلان عن هذه الأرقام لم يفزع الرأى العام، ولم تتحرك الحكومة، وكأن هذه الأرقام لا تعنى شيئا ولا تمثل خطرا داهما على مستقبلنا الغذائى، بالإضافة إلى تكريس المزيد من العشوائية العمرانية فى الريف، الذى يعانى أصلا من عشوائية مرعبة.

هذا الحجم الهائل من المخالفات (٧٥٠ ألف مخالفة) يعكس حجم عدم احترام القانون، والقدرة المذهلة للمواطنين فى خرقه وعدم احترامه، طبعا نتفهم، أحيانا، أزمة الإسكان، وأحيانا أخرى نتفهم أحلام الثراء للفقراء، الذين تعدت نسبتهم فى المناطق الريفية ٨٧ ٪ من إجمالى عدد الفقراء فى مصر، وبشكل عام نتفهم هذا الخرق للقانون فى ظل غياب التخطيط الحكومى للمناطق الريفية، وهناك فكر راسخ يحمل الحكومات وجود العشوائيات، على اعتبار أنها لم تخطط لاستيعاب الزيادة السكانية المطردة، فتلك مشكلة الدولة قبل أن تكون مشكلة المواطنين.

لا شك أن الحفاظ على الأراضى الزراعية يكاد يكون من قضايا الأمن القومى، لكن أيضا توفير المسكن الملائم هو حق أصيل لكل مواطن، وجزء من فكرة ملاءمة السكن، أن يكون قريبا من مكان العمل، والأكيد أن هناك ضرورة أن يسكن الفلاح بجوار أرضه، وحل هذه المعضلة يجب أن يتوافر عند الدولة، فالمواطن فى هذ الحالة لا يمارس خروقات القانون من باب الرفاهية، وإنما مدفوعا بمواجهة أزمة تواجهه فى متطلبات حياته دون أن يجد من يساعده، فلا يملك سوى أرضه ليحل بجزء منها مشكلته الآنية، ومن وجهة نظره فهو بذلك يساهم فى رسم المستقبل لأبنائه، دون أن يدرك حجم الكارثة التى يشارك فى صنعها.

وما بين الحاجة للسكن، والحفاظ على الأراضى الزراعية، أعتقد أن الحكومة عليها التصدى للأمر، ومواجهته، فهذا واجبها وتلك مهامها، ولا يمكن أبدا التوقف فقط عند جريمة البناء على أراض زراعية أو خرق القانون، فالقضية أعقد وأعمق من ذلك، عائلات تزرع وتسكن منذ مئات السنين، هذه أرضها وحياتها، ورقعة زراعية تتناقص بما يهدد أمننا الغذائى، الذى هو مهدد أصلا، أما الهروب من الأزمة بتوقيع غرامات على المخالفين أو حتى عقابهم، فذلك لن يحل شيئا من الأزمة، لأن الحكومات السابقة فعلت ذلك كثيرا، وأحيانا بعنف شديد، وبعد هدوء العاصفة، تعود الحجارة لاغتيال الزرع، لا من باب تحدى السلطة، وإنما من أجل أن تستمر الحياة فى قرى ونجوع فاتتها الحكومة كما يقول أبناء الريف الذين يسمعون عن الحكومة ولا يرونها.

 

 

 

 

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *