عمرو خفاجى يكتب | شرف اللغة
أخيرا، أعلنت الحكومة عن ميثاق الشرف الإعلامى، وهو، لمن لا يتذكر، أحد البنود الرئيسية لخارطة الطريق التى تم إعلانها فى يوليو من العام الماضى، والميثاق به الكثير من النقاط واجبة النقاش، إلا إننى لا أخفى سعادتى باهتمام الميثاق باللغة العربية، والتى وردت فى موضعين منه، الموضع الأول ضمن المبادئ حيث نصت المادة الرابعة على «مهنتنا ترتبط بضمير الشعب وتكتسب شرفها من ولائها للحقيقة وتمسكها بالقيم الوطنية والدينية والأخلاقية للمجتمع المصرى ومحافظتها على اللغة العربية»، والموضع الثانى من بين الواجبات المفروضة على الإعلامية والإعلامى حيث تطلب المادة الخامسة «الحفاظ على سلامة اللغة العربية باعتبارها قوام الثقافة العربية ورمز الهوية».
الحفاظ على اللغة بات ضرورة فى ظل غيابها التام عند فئات من هذا الشعب، والجهل بها عند طوائف أخرى، وانعدامها عند كثيرين فقدوا فرص التعليم، وعلى ما يبدو أن التدهور بات سريعا، وأذكر جيدا الحوار الشهير لعميد الأدب العربى طه حسين مع مجموعة من كبار المثقفين وهو يعلن اعتراضه على كتابات بعضهم باعتبارها تستخدم اللغة العامية، وضرب مثلا بكتابات يوسف السباعى، والتى نتمنى الآن أن تكون لغة الإعلام بمثل لغة رواياته، هذا الحوار كان قبل نصف قرن بالتمام والكمال، وأعتقد أن طه حسين لو كان بيننا الآن، وتابع حال لغتنا العربية لخرج عن شعوره وفقد أعصابه وربما انحرفت كلماته لتكون قادرة على وصف ما وصل إليه حال اللغة فى وسائل إعلامنا.
المشكلة الآن تجاوزت الفاعل المرفوع والمفعول المنصوب، وتعدت صحة الكتابة وشروط الإملاء، ووصل الحال إلى استخدام كل الألفاظ الخارجة والجارحة، فى ظاهرة محيرة، تنامت، للأسف الشديد، مع ثورة يناير، بينما غالبية وسائل الاعلام تدوس على اللغة وقواعدها ولا تلقى لها بالا، باعتبار ذلك من «الكماليات» فى وسائل الإعلام، وإذا كان هناك متسبب بحق فى ضرب اللغة العربية فى مقتل، فبلا شك سيكون الإعلام ووسائله المختلفة، والتى تجلت مؤخرا فى الإعلام المرئى الذى فاق كل الحدود بحق، وبالتالى هو المعنى أيضا بإصلاح هذا الاعوجاج اللغوى.
إذا كانت الحقيقة هى شرف مهنة الإعلام ودستورها الذى لا يجب الخروج عليه، أو تجاوزه، فإن اللغة هى السبيل إلى ذلك، وشرف اللغة وتقديسها جزء من شرف وقداسة الحقيقة، ولا يمكن أن تكون هناك رسائل بذيئة تحمل الحق أو تقدم نصحا للرأى العام، فاللغة شىء أهم بكثير من معركة الفصحى والعامية، وأخطر من نصب الفاعل ورفع المفعول، اللغة هى السبيل الأول للعودة للمسار الذى يجب أن يسير عليه الإعلام، مسار من الطهارة لا يستقيم عبر لغة تسب وتلعن كل شىء كل صباح ومساء، فانحطاط اللغة هو أصل انحطاط التواصل، وانحطاط التواصل لا ينتج عنه إلا الانحطاط العام، فرفقا باللغة.