عمرو خفاجى يكتب | ميثاق شرف الحكومة
لا أعرف لماذا تصر الحكومات المتعاقبة على المعاندة فى تفعيل ميثاق الشرف الإعلامى. قبل
الثورة قلنا إن تلك هى سياسات الحزب الوطنى الحاكم، الرغبة فى الهيمنة على كل شيء حتى فى الأمور التى تخص فئة أو جماعة أو طائفة، فميثاق شرف مهنى يخص فقط أبناء المهنة، وعليهم وضعه والموافقة عليه ومن ثم الالتزام به، وحينما قامت الثورة، اجتهدت مجموعة من الإعلاميين لوضع ميثاق شرف لمهنتهم، وقدموه بالفعل لمجلس الشعب فى ٢٠١٢، وكعادة كل من يحكم تجاهله، حتى تم حل المجلس، وحينما جاء محمد مرسى للحكم، فوجئنا بوزير إعلامه يطرح ميثاق شرف إعلامى فى غيبة الإعلاميين، مصرا هو وجماعته على احتكار «شرف الإعلام» والتخطيط للمهنة وفقا لأهوائه ومخططاته.
بعد عزل مرسى، كان لافتا للنظر وضع ميثاق الشرف الإعلامى من بين بنود خارطة الطريق، باعتبار ذلك من الأمور المهمة فى تصحيح المسار الديمقراطى، وبالطبع نشغل المجال العام بالمصالحة وبالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وبالدستور وجمعيته التأسيسية، وكلها أمور عظيمة يجب الانشغال بها فعلا، لكن الميثاق كان مهما كذلك، فقد عشنا سنوات طويلة، ومازلنا، فى فوضى إعلامية ساهمت كثيرا فى الاحتقان الطائفى وعززت من فكرة الاستقطاب ودفعت عجلة الانقسام للدوران بسرعة مذهلة، وكنا نعتقد أن الميثاق وتنظيم الإعلان سيعملان على ضبط الأمور فى هذا المجال المهم والحيوى والذى يؤثر فى مجمل الحياة السياسية.
ولا أذيع سرا، إذ قلت إن الرئيس المؤقت عدلى منصور، وجه دعوة كريمة لعدد من الإعلاميين (كنت من بينهم) وقال صراحة إن ميثاق الشرف الإعلامى جزء لا يتجزأ من خارطة المستقبل، وأن هذا الميثاق تحديدا يجب أن يتم بعيدا عن الحكومة وأجهزتها، وأن هذه مسئولية الإعلاميين أنفسهم، يومها كان الرئيس حاسما وواضحا فى هذا الشأن، لذا استقبلت بدهشة كبيرة أن تقدم الحكومة ميثاقا لا يعرف عنه الإعلاميون أى شىء، فلماذا الإصرار على مغالطة الرأى العام، ولماذا هذا التحدى حتى لرئيس الدولة ذاته، الذى سمعت رأيه فى تلك القضية، بنفسى، وعلى مرأى ومسمع من بعض الإعلاميين.
على حكومة الدكتور محلب أن تسحب هذا الميثاق فورا، وتترك الأمر لأبناء المهنة للتصدى لمهمتهم ووضع ميثاق شرف لمهنتهم، يكون حاكما لهم يحاسبون به ويتماشى مع الدستور الذى وافق عليه الجميع، ويجب أن يكون ذلك فى إطار زمنى محدد يتماشى مع خارطة المستقبل، لأن الميثاق كان أحد بنودها المهمة، ولا ابالغ إذا قلت، إن مصر فى حاجة لضبط الإعلام قبل أى شىء آخر، فقد صارت تجاوزاته وانفلاتاته تمثل خطرا حقيقيا على الواقع السياسى للبلاد، وإذا كنا نطلب من الدولة وأجهزتها الابتعاد وغل يدها عن ميثاق الشرف الإعلامى، فيجب على الجماعة الإعلامية إدراك جسامة مسئوليتها فى إنجاز هذا الميثاق الذى صار لابد منه، هذا إذا كانت الجماعة الإعلامية ترغب حقا فى أن يكون ميثاق الشرف الاعلامى هو ميثاقها وليس ميثاق شرف الحكومة.