طالعتنا إحدي الجرائد المصرية يوم 3 سبتمبر بمقال للروائي علاء الأسواني بعنوان ” ديمقراطية حقيقية أم مسرحية!؟” ولا أنكر دهشتي الشديدة من مدي سطحية تلك السطور التي لا تغير من واقع احترامي لعلاء الأسواني كواحد من أبرز الروائيين المصريين شيئا ، ولكني أحسست وللمرة الأولي أن كاتبنا العزيز يفتي فيما لا يعلم بما لا يعلم ، وكنت أتمني لو طرح مقاله في شكل أسئلة هي مشروعة بالفعل وترك لأحدنا فرصة الرد عليه وإيضاح ما استغلق عليه فهمه قبل أن يكون رأيا حول جانب كبير من حركة حقوق الإنسان في مصر ، يحكي لنا الأسواني في مقاله عن حوار دار بينه وبين إحدي معارفه عن مسألة تمويل بعض الهيئات الأجنبية لبعض مشروعات الغرض منها رفع الوعي السياسي لدي المصريين و يشرح لنا كيف أن هذا النوع من تمويل المشروعات الحقوقية يعد شكلا من أشكال التدخل الغربي في الشئون الداخلية وفرضا للسيطرة ، ويطرح سؤالا مفاده : ما الذى يجعل حكومات الاتحاد الأوروبى أو الحكومة الأمريكية تنفق ملايين الدولارات حتى يتعلم الفقراء فى إمبابة أو الصعيد الفرق بين القائمة المطلقة والنسبية فى الانتخابات ؟ وبعدها يقول الأسواني “هناك بالتأكيد هدف لهذا التمويل الأجنبى السخى، لأن الحكومات الغربية ليست جمعيات خيرية. نحن لا نتهم أحدا من أعضاء الجمعيات الأهلية التى تتلقى تمويلا، وكلهم مصريون وطنيون، بل إن مراكز حقوق الإنسان والمراكز الحقوقية (ومعظمها ممول) قامت بدور عظيم فى الدفاع عن حقوق المواطن المصرى وكشف الانتهاكات والجرائم التى اقترفها النظام المستبد قبل وبعد الثورة. نقدنا إذن ليس موجها إطلاقا إلى أصدقائنا فى الجمعيات الأهلية والمراكز الحقوقية”
الحقيقة أنه هناك أسباب عديدة تدفع بعض الحكومات الغربية لتمويل مشروعات الغرض منها رفع الوعي السياسي لدي مواطني بعض الدول الفقيرة أو دول العالم الثالث وتجعلهم مهتمين بأن يتعلم الفقراء في امبابة الفرق بين القائمة المطلقة والنسبية في الإنتخابات ، إذا وضعنا في الإعتبار أن ذلك يندرج تحت عنوان حق المواطن في المشاركة في الحياة العامة الذي لا يمكن كفالته إلا بمحو الجهل بمبادئ تلك المشاركة ، وهو للأسف الدور الذي لا تستطيع الأحزاب السياسية وحدها أن تلعبه وأن المجتمع الدولي في وقت سابق قد تبني قضية حقوق الإنسان في أكثر من موقف وإعلان واتفاقية وما إلي ذلك ويمكنني فقط أن أذكر البند الثامن من إعلان وبرنامج عمل فيينا الصادر عن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان عام 1993 والذي ينص علي” إن الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، أمور مترابطة ويعزز بعضها بعضا. وتقوم الديمقراطية علي إرادة الشعب المعبر عنها بحرية في تقرير نظمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومشاركته الكاملة في جميع جوانب حياته، وفي السياق الآنف الذكر، ينبغي أن يكون تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية علي المستويين الوطني والدولي مقصدا يسعى الجميع لتحقيقه وأن يتم ذلك دون فرض شروط. وينبغي للمجتمع الدولي أن يدعم تقوية وتعزيز الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية في العالم أجمع ” ، ولعل هذه الفقرة تساعد كاتبنا في أن يفهم لماذا يهتم المجتمع الدولي بالديمقراطية باعتبارها مدخلا رئيسيا لاحترام حقوق الإنسان وكفالة الرفاه للشعوب وأن بعض المجتمعات تعتبر بالنسبة لبعض الدول قنابل موقوتة بالفعل عليهم المساعدة في نزع فتيلها لاعتبارات كثيرة منها أن تلك القنبلة قد تنفجر في وجوههم وأن بعض تلك الدول تشعر بأهمية التعاون الدولي ودعم قضايا حقوق الإنسان إيمانا منها بتلك القضايا وأنها ليست مسئولية دولة ما فقط وإنما هي مسئولية المجتمع الدولي ككل ، أو لأنها أحد أسباب تلك الأزمة من الأساس باعتبار تاريخها الإستعماري الذي قد يكون تسبب في إعاقة التنمية والتطور في البلد المعني …إلخ ، ودعني أقول لك أنني أشاركك جزءا من مخاوفك فيما يتعلق بوجود شبهة فساد في بعض تلك المؤسسات لا يمكن حلها بالتعريض بالحركة الحقوقية مجتمعة في مصر “وهو ما يمكن أن نسميه بالعامية المصرية (تلسين) ” وهذا أسلوب أنأي بكاتبنا عنه ، وهناك جزئية أخري تتعلق بخلط “لا أدري إذا كان متعمدا أم لا” حين جمع الكاتب بين دعم أو تمويل بعض الهيئات والحكومات لنشاطات حقوق الإنسان وبين المثال الذي ضربه بتلقي الرئيس الفرنسي ساركوزي أموالا لدعم حملته الإنتخابية بالمخالفة للقانون ، يا عزيزي هناك فارق رهيب بين هذين المثالين ولعلك تعلم جيدا القاعدة التي تنص علي أن ” قياس فرع علي أصل غير مساوي له في العلة هو قياس فاسد ” أي أن مقارنتك بين كلا الأمرين هي قياس فاسد بنص القاعدة ، ولكنني أوافقك الرأي فيما يتعلق بضرورة فتح ملف المعونة الأمريكية وأين تذهب وفيم تستخدم ، وأوافقك الرأي في وجوب محاسبة المسئولين السابقين عن سماحهم لمنظمات حقوقية أجنبية بالعمل بغير غطاء قانوني لاستعمالهم كورقة ضغط أو وسيلة ابتزاز إذا دعت الحاجة ، وأوفقك الرأي في عدم الزج بالنشاط الحقوقي في ملعب السياسة أو تعريضة لمرمي النيران السياسية ، مع مراعاة أن مصر بها قرابة ال 37 ألف جمعية أهلية تعمل علي مجالات عدة ما بين العمل التطوعي الخيري أو مجالات الحقوق السياسية والمدنية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية لذا فمن الغبن أن نضرب أمثلة مشوهة أو نصدر أحكاما عامة علي هذا الكم الهائل من المؤسسات وعلي العمل الأهلي في مصر عموما الذي يبدأ تاريخه من حوالي 110 سنة والذي يعتبر إحدي دعامات التنمية البشرية في مصر .
(المصدر : جريدة التحرير )