عمرو خفاجى يكتب | صُوَر مُحَرّمة
لا أعرف من على وجه الدقة من الذى نشر تلك الصورة الكئيبة القاتلة للجثث الموضوعة على عربة يد من ضحايا أحداث خلافات الدابودية والهلايلة فى أسوان، ولم أفهم سر انتشار الصورة على مواقع التواصل الاجتماعى بهذه الكثافة والسرعة، ولا أدرك الهدف الذى من أجله يتم الترويج لهذه الصورة المجرمة، إنما الذى أعرفه جيدا وأفهمه بعمق، وأدركه بوعى كامل أن نشر هذه الصورة جريمة كاملة الأركان والشروط، ليس فقط على مستوى المهنة، وإنما على جميع المستويات الإنسانية والبشرية، ناهيك عن حرمة انتهاك الجسد الممزق وتوزيعه على أعين كل من يشاهدها، فهذه الصور تعلمنا منذ نعومة أظافرنا فى هذه المهنة أنها صور محرمة ولا يجوز نشرها، أو تداولها، وبالتالى تسقط كل حقوق المعرفة فى شأن مثل هذه الصور، التى تنتهك الحرمات المتفق عليها بين بنو البشر منذ أمد طويل.
فى حرب العراق، تجرأت فضائية الجزيرة ونشرت صورا لجثامين ضحايا الحرب الغادرة، وقتها انطلق النقاش واسعا عن الآثار الناجمة عن نشر وبث مثل هذه الصور، أذكر أن غالبية الخبراء اتفقوا على أن ذلك سبجعل القتل سهلا والموت عاديا، ومشاهدة الجثث من الأمور الروتينية، التى لا تلفت انتباهنا أو نتوقف عندها، وقتها فرق الخبراء بين صور جثث العراق (خاصة جثث الثلاجات) وصور ضحايا «حلابجة» فى العراق أيضا، على أساس أن الصور الأخيرة تكشف جرائم ضد الإنسانية، وتطالب بتحقيقات أممية من أجل عقاب مرتكبوا الجريمة، ومع ذلك ظل فريق واسع من خبراء الإعلام ضد نشر وبث صور جثث الضحايا، أى كان الهدف أو الغاية من النشر بما فى ذلك هدف المحاسبة والعقاب، وهو ذات الجدل الذى كان قد انفجر قبل ذلك بسنوات طويلة فيما عرف وقتها بمذابح «صابرا وشاتيلا» بلبنان، وهى جريمة إسرائيلية لا يمكن نسيانها أو غفرانها.
حينما نشر الزميل سعيد عبدالخالق (رحمه الله) صورة الرائيس الراحل أنور السادات على طاولة المستشفى، بعد اغتياله، قبل سنوات قليلة، ثار جدل واسع حولها، ومال الجميع إلى رفض ذلك رفضا قاطعا وباتا من غالبية الجماعة الصحفية، فما الذى حدث حتى يعود أبناء المهنة من جديد لنشر مثل هذه الصور، خاصة أن كثيرين أيضا تورطوا قبل أيام فى نشر صورة جثة شهيد انفجارات جامعة القاهرة، بل نشرت بعض المواقع، والتليفزيونات مشاهد حية لمقتله، على اعتبار أن هذا انفراد صحفى كبير، وهو ما تكرر أيضا فى نشر صور زميلتنا الشهيدة ميادة أشرف.
على الجماعة الصحفية والإعلامية، أن تدرك جيدا قدسية مهنتها، وخطرها على مجتمعها، الذى تنحو به نحو القسوة والشراسة والعنف، (سواء بوعى أو بدون وعى فالنتيجة واحدة)، وعلى الجماعتين أن يعلما جيدا قداسة جسد الإنسان، وأن انتهاك قداسة هذا الجسد مجرمة ومحرمة فى كل الشرائع والقوانين.. فنرجوكم لطفا بنا وبجثثنا، وتنازلوا عن انفراداتكم قليلا.