عمرو خفاجى يكتب | المحافظ والإعلام
جاءت استقالة السيد محافظ الوادى الجديد من منصبه لتضع خطا عريضا فاصلا بين ما كان يحدث فى الماضى وما يحدث الآن، الرجل قدم استقالته للسيد رئيس الوزراء فور الكشف عن تقديمه لتوكيل لأحد المرشحين للرئاسة، وهو ما تم اعتباره انحيازا له على حساب المرشحين الآخرين، وبالتالى فقد صلاحية بقائه فى منصبه والذى كان يجب أن يكون محايدا فيه، خاصة وأن عملية الانتخابات الرئاسية قد بدأت بالفعل، وكانت حكومة محلب قد أعلنت وقوفها على مسافة واحدة من كل المرشحين، وإنها لن تتدخل مطلقا فى سيرها، وربما ذلك ما دفع السيد رئيس الوزراء لقبولها على الفور إثباتا لحياد إدارته، وحتى لا تتصاعد الأمور فى اتجاه التدخل الحكومى والإدارى لصالح أحد المرشحين، صحيح أن السيد المحافظ حاول فى البداية أن يقاوم عن طريق أنه يستخدم حقوقه الدستورية، إلا أن ردود الفعل كانت قوية لدرجة أنه استوعب فكرة تجاوزه ولم يجد سبيلا للخروج من المأزق إلا بتقديم الاستقالة.
هذه القصة الخاطفة أكدت أن مصر تغيرت، وأن هناك بالفعل معايير وأسسا جديدة باتت حاكمة للحياة السياسية، خاصة وأن السيد المحافظ حرر توكيلا للمرشح القادم من جهاز الحكم، مما أضفى على القصة عودة لنفاق النظام الحاكم، وربما كانت سرعة الاستقالة وقبولها دليلا على تغير الوعى لدى أجهزة الدولة، وإذا عدنا لأى قصة أو موقف قبل يناير ٢٠١١ سنكتشف حجم التغير الذى تشهده مصر فى بنية نظامها السياسى، فالواقعة بسيطة من عدة زوايا، فتوكيل السيد المحافظ لن يضيف شيئا لتوكيلات المرشح الرئاسى، وعمليات التصويت لم تبدأ بعد، والمحافظة التى يتولاها ليست من المحافظات الكبيرة أو المؤثرة فى العملية الانتخابية، بل هى من المحافظات الطرفية المنسية، وربما لهذه الأسباب تبدو الاستقالة وقبولها أمرا مهما ومؤثرا وذا دلالات كبرى، بألا يتكرر ذلك بأى صورة من الصور فى أى موقع آخر، وغالبا حسمت هذه القصة موقف حكومة محلب من الانتخابات المقبلة، وصار حيادها إجباريا، وأن الإقالة فى انتظار كل من يفكر فى مساندة مرشح بعينه.
أما الذين يقصفون الإعلام ليل نهار ( وربما معهم الحق فى الكثير من الوقائع ) فعليهم إدراك أهمية ودور الاعلام فى الرقابة على ممارسات أى إدارة، فالإعلام هو الذى كشف القصة وظل يطاردها ويؤكدها ولم يهدأ له بال إلا بإقصاء الرجل عن موقعه واتخاذ الحكومة للقرار الواجب، وفى تقديرى، أن هذا أيضا يحمل الإعلام مسئولياته الجسام فى المعركة الانتخابية المقبلة، وعليه القيام بواجبات فى إخبار الرأى العام بكل ما يحدث، وأن عليه أيضا أن يكون محايدا تماما، على الأقل، فى نقل الأخبار وكشفها، وعدم التدليس على أية وقائع من شأنها فضح انحياز الإدارة فى هذه الانتخابات، فالاعلام سيكون المراقب الأهم لعملية الانتقال الديمقراطى، ولا أبالغ لو قلت إن الإعلام أمامه فرصة عظيمة لتصحيح صورته أمام الجميع، واكتساب ثقة الرأى العام والقوى السياسية محددا مثلما كان قبل ثورة يناير ٢٠١١، فالإعلام ( فى أغلبه ) لم يكن سلبيا بالمرة أمام كل الانتهاكات والسلبيات التى كانت تحدث فى ظل حكم الحزب الوطنى، وبات عليه العودة للعب هذا الدور وبشكل أكثر مهنية وموضوعية من قبل، خاصة وأن الإعلام كان محملا بأدوار سياسية ليست من صلب مهامه، لكنه تصدى لها فى ظل حالة الفراغ السياسى التى كانت مهيمنة على الأوضاع قبل الثورة، والآن بعد تغير الأمور عليه أن ينفض غبار السياسة من عليه ويكتفى بأدواره المهنية النابعة من انحيازاته الوطنية بالأساس، والتى أعتقد أنها بالضبط ما تمنح القداسة لدوره ووظيفته، وهذا بالتحديد هو شرف المهنة الذى يجب أن نحافظ عليه جميعا.