معتز بالله عبد الفتاح يكتب | «الحبيب» رجل أحبه فى الله
ذهبت ذات مرة إلى حجرة الاجتماعات فى قناة «سى بى سى» لمقابلة الأستاذ محمد هانى، رئيس القناة، وما إن «خبّطت» على الباب ثم فتحته حتى وجدت مجموعة من الناس يجلسون حول «ترابيزة» الاجتماعات، فما كان منى إلا أن اعتذرت وهممت بغلق الباب والرحيل. هنا وجدت رجلاً لم أميزه من بعيد، يقف ويقول «حياك الله يا دكتور» ثم يتحرك تجاهى بشىء من العجلة. ولما ميزته ذهبت إليه، وظننت أنه سيكون السلام التقليدى بين شخصين يلتقيان لأول مرة. ولكننى وجدت الرجل يفتح ذراعيه ويقول: كم كنت أتمنى لقاءك. وهنا كانت المفاجأة أن الرجل بتواضع يليق بأهل العلم، وبخلق يليق بمن تأصل فيه العلم، وبكرم من زاده العلم رحمة بعبادة عسى أن يرحمهم الرحمن، يقول لى كلاماً شعرت منه الإخلاص.
أنا أعرفه، فهو علم فى الدين والفقه. ولكن كيف هو يعرفنى؟
«الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف».. هذا ما قال، ناسباً إياه للرسول (صلى الله عليه وسلم).
كان الحوار راقياً كريماً مبهجاً بالنسبة لى.
لم أُردْ أن آخذ من وقت اجتماعهم الكثير. ولكن ترك الرجل لدىّ انطباعاً رائعاً. تمر الأيام حتى يتكرم علىّ الأخ الكريم الموسيقار أمير عبدالحميد بأن ألتقى بـ«الحبيب» مرة أخرى فى جمع كريم. الخلاصة: هذا رجل جعل الله حمله ثقيلاً.. أعانه الله، وتقبل منه وأعانه.
استضفته فى برنامجى فى حلقتين سعدت به فيهما، وسعدت من ردود الفعل عليهما، وتيقنت أن مصر بحاجة لمن يخاطب فى أهلها إنسانيتهم التى أضاعتها السياسة. سألته عن حالنا وقد أصبح بعضنا يضرب رقاب بعض، فرد علىّ بقول سيدنا الإمام علىّ (كرم الله وجهه) حين سألوه عن أهل «الجمل»: قيل أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا؟ قيل: أمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. ثم وصفهم «على» بأنهم: «إخواننا بغوا علينا». فلم ينفِ سيدنا «على» عمن يقاتلهم صفة أنهم «إخوة» ولكنهم بغوا علينا.
لذا تمنيت عليه أن يكتب مقالاً بعنوان: «إخواننا بغوا علينا».
كتب، أمس الأول، مقالاً مهماً فى «الوطن» قال فيه: (أيها الأحبة.. لقد كشفت السنوات الثلاث الماضية عن عورة مُخجلة فينا وهى «الازدواجية» و«التعصب»، فمن يراجع مواقف كل من مؤيدى النظام والمعارضة اللذَين تبادلا الأدوار فى بعض بلداننا يجد أن فى كلٍّ منهم مَن يُمارس ما انتقده وينتقد ما مارسه بمجرد تبادل الأدوار وتقلُّب الأحوال، إنها العيوب التى كانت أنفسنا تسترها عنّا حتى لا نعالج خللها ولا نتخلص من ضررها.
أيها الأحبة من مختلف التوجهات والخلفيات الفكرية.. العيب والخلل فى أنفسنا قبل أفكارنا. أيها الأحبة.. نحن «متعصبون».. نحن «مزدوجو المعايير».
وعلينا إذا أردنا أن نرتقى بأنفسنا وأوطاننا وأمتنا والبشرية أن نتخلص من هذه «الازدواجية» ومن هذا «التعصب»، فمن هنا البداية الصحيحة.
أيها الأحبة..
البداية الصحيحة من معالجة داء «الأنا» «Ego» الذى يحملنا على «التعصب» و«الازدواجية».
البداية الصحيحة من شجاعة «نقد الذات»: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِى إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ»، وهناك فرق بين جلد الذات ونقد الذات، فالأول هروب من تغيير الواقع، والثانى إصرار على البداية الصحيحة لتغييره.
البداية الصحيحة من إعمال البصيرة فى عيوب النفس وترك المعاذير والتبريرات: «بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ».
اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكّاها، أنت وليها ومولاها.. يا رؤوفاً بالعباد).
آمين يا رب العالمين.
اللهم إنى أشهدك أنى أحب هذا الرجل فيك، فاجعل هذا الحب خالصاً لوجهك، وتقبله منا.