مجموعة سعودي القانونية

عمرو خفاجى يكتب | فى انتظار العلمعمرو-خفاجى

بعد معركة طويلة استمرت منذ مارس ٢٠١١ وحتى الأسبوع الماضى، حسمت حكومة المهندس إبراهيم محلب نزاع جامعة النيل / جامعة زويل، لصالح الأولى مع إيجاد حلول للثانية، وهو ما اعتبره البعض انتصارا للحق والعدالة، وربما يكون كذلك، لكنه لم يكن أبدا فى صالح العلم والتقدم، ولا فى صالح أى شىء عصرى ومتحضر ومتقدم، ومن لا يذكر قالقصة مليئة بكل الأمور السيئة، كذب وبلطجة ومحاكم وإطلاق رصاص، وخلافات وتجريح بين نخب كبيرة ومثقفة بعضها انحاز لزويل والبعض الآخر انحاز للنيل، معركة بدأت مع قرارات لأحمد شفيق حينما ترأس الوزارة عقب الثورة مباشرة، واستمرت مع عصام شرف ثم انفجرت فى وجه الجميع، معركة طالت وشوهت قامات علمية وسياسية، وعادت بالأيام إلى ما قبل الثورة لتضيف على القصة تفاصيل لفساد زمن مبارك، وتاه الجميع واحتار ما بين جامعة أهلية وجامعة خاصة، وكيف كان نظام مبارك يناهض مشروع زويل العلمى، وللأسف أن كل ذلك يحدث باسم العلم وتحت رايته.

هذا النزاع، يكشف الأحوال التى سادت مصر فى السنوات الماضية التى أعقبت الثورة، حيث كان الارتباك سيد الموقف وعنوانه الرئيسى، وهو ما يعكس كيف تهاوت كافة القيم والأخلاقيات أمام قضايا ليست بالخلافية من الأساس، فكان من الطبيعى أن نشاهد ما شاهدناه فى القضايا وسائر الأحوال الأخرى والتى هى بطبيعتها محل خلاف، لكن المؤذى حقا فى قصة نزاع جامعة النيل/ جامعة زويل، أنها قضية جميع أطرافها من العلماء أو على الأقل من أرباب العلم، ولم يكن يجوز أبدا أن يتصارعوا على أراضٍ ومبانٍ بالشكل الذى شاهدناه على مدار السنوات الثلاث الماضية.

المحزن أننا لم نسمع شيئا عن أى مشروعات علمية كبرى، من الجامعتين، وحتى لو كان لديهما ذلك، لم يكن هو الذى تصدر المشهد وقاد النزاع، فكل ما رأيناه وشهدناه خلافات على الأرض والمبانى. حتى عندما تمت مناقشة رسالة دكتوراه، لم يهتم أحد بموضوعها بقدر الاهتمام أن المناقشة ستكون داخل خيمة من خيم الاعتصام، وذلك ربما يضفى على النزاع بطولة ومناخ أسطورى يغرى وسائل الاعلام بالمتابعات المثيرة الفاضحة، لكنه يخصم الكثير من رصيد العلم، وهذا فى تقديرى ما يجب أن تلتفت له الجامعتان خلال الفترة المقبلة، وتصحيح الصورة التى ترسخت فى ذهن المتابعين لنزاعهما خلال الفترة المقبلة، عليهما أن يكلمانا كثيرا فى العلم والأبحاث، ويحدثانا عن المستقبل ويقومان بالأعمال الواجبة عليهما كما جاء فى خطابى تأسيسهما، وكل هذا يجب ألا يتأخر كثيرا، وأن تكون تفاصيل ما يحدث بهما أمام الرأى العام، فكلتا الجامعتين، أولا وأخيرا بأموال الشعب ومن المفترض أنهما من أجل جميع المواطنين المصريين، لا تفرق بين أحد منهم.

وحتى تكون الأمور واضحة، لا أقصد مطلقا الانتقاص من قدر أحد، بل العكس تماما، ما حدث هو الذى انتقص من قدر كثير من علمائنا وأساتذتنا الأفاضل، وبعضهم ترك نجاحاته فى الخارج من أجل المساهمة فى تحضر وتقدم بلاده، فوجد نفسه طرفا فى نزاع سخيف لا معنى له، سوى أننا مازلنا لم نشعر بعد بحجم المأزق الذى وصلنا إليه، وأن أحد أهم سبل الخلاص منه ومغادرته هو العلم الذى بددناه فى الخلافات والنزاعات، وحينما يغادر العلم قاعات درس ومعامل الاختبار فنحن نؤكد على عبثنا بكل القيم، ونذهب بكامل إرادتنا لمساحات وساحات لا تعرف سوى وأد الأحلام وتعطيل الأمل، وأعتقد أن هذه هى المساحة التى تعيش فيها مصر حاليا، وربما قبلنا ذلك فى بعض القضايا، لكن العلم الذى انتهك، أوجع القلوب حزنا على غياب وتغييب العقول التى راهنا عليها كثيرا، وبعضها خذلنا وهذا ما أغضبنا من نزاع النيل/زويل مع تقديرنا واحترام للجميع رغم كل ما جرى.

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *