إبراهيم عيسى يكتب | يَوْمَ انْتَصَرَ ابْنُ سَعْدٍ عَلَى ابْنِ بَاز
منذ ثلاثين يونيو وخروج الشعب المصرى العظيم ضد إخوان الإرهاب ومرسى الخيانة، وحتى يوم شم النسيم «الإثنين» الماضى، وكل يوم يمر على مصر يُعلن انتصار الإسلام على المتاجرين بالإسلام. انتصار الإسلام المصرى السمح المنفتح المتجدِّد المجتهد المتعبد، على التطرُّف والتعصُّب والتنطُّع والتشدُّد. انتصار الإسلام الحقيقى على الوهابيَّة المستوردة الوافدة والتسلُّف المنغلق.
كل يوم نواجه فيه الإخوان وإرهابهم بصلابة وبقوة وببهجة وبتصميم وعزيمة هو يوم فوز عزة الإسلام الحنيف على الوجه المخيف الذى حاول الأغلاظ الأفظاظ أن يروّجوه فيسيِّدوه.
كل يوم والشعب المصرى على عهده وعلى حربه ضد الإخوان الإرهابيين هو يوم تنتصر فيه شريعة الرحمة والمؤاخاة والمحبة على الفتنة والطائفية والمذهبية.
تنتصر سُنّة النبى، صلى الله عليه وآله وسلم، على الذين يكذبون عليه وينسبون إلى مقامه ومقاله ما لم يقُمْه أو يقُلْه.
من ثلاثين يونيو وحتى اليوم وإلى الأبد، بإذن الله، انتصرت مصر المسلمة الصُّلبة على المتصلّبة المتشدّدة المتعصّبة، نجاح جهاد النفس فى مواجهة الجهاد الخطأ فى المعركة الغلط، إسلام التقدّم والتطوّر واللين والحبل المتين يهزم أفهام التخلّف والتجمّد. يوم ثلاثين يونيو، وحتى اليوم، مهاجرو مكة وأنصار يثرب هزموا خوارج العصر وكل عصر.
فوز عظمة الإيمان فى مواجهة الرياء والنفاق.
انتصار إسلام العلم والاجتهاد على الضحالة والجهالة والضآلة. انتصرت أخلاق الإسلام، حيث التحضّر واللباقة واللياقة والتفاؤل والبشارة والسماحة على النطاعة والجليطة والجلافة والسخافة والتنفير، فوز المسلمين المؤمنين على المتنطّعين، انتصر الإسلام الحضارى فى وجه فقه البداوة والفهم الصحراوى للإسلام، انتصرت مصر المسلمة والقبطية على أعداء الدين، من الإرهابيين والمتطرفين والقتلة وسفّاكى الدماء، فتح من الله لمن يعبده حقًّا وصدقًا ويقينًا وجوهرًا، لا نفاقًا ورياءً وشكلاً ومظهرًا. فاز الإسلام المتمدين على المتصحّر، وانتصرت مصر الشافعى والليث بن سعد والعز بن عبد السلام والإمام محمد عبده على المودودى وابن باز وبن لادن وسيد قطب.
الحمد لله الذى صدق وعده ونصر شعبه وأعز جنده المصريين، وهزم الإخوان وحده. لا إله إلا أنت سبحانك، نسجد لك حامدين شاكرين متوضئين بطهر مائك وحب وطننا مصر.
نعم، ومن المؤكد ومن المتيقّن المحتوم أننا لم نكسب معركتنا ضد التطرّف الدينى حتى الآن، بل نحن لم نَخُضْها حتى هذه اللحظة. لكننا انتصرنا لمبادئ وأسس، ولم نعمل على خطوط وفواصل ونواصل. بل لا أحد فى ما يبدو مهتم بأن يخوض تلك المعركة فى هذا التوقيت، ربما للانشغال بالتوافه والصغائر، وربما للإهمال، وربما للتقصير والعجز وعقم الخيال الذى يسود فى كل مؤسسات دولتنا تمامًا (أقول تمامًا). انتصر الشعب لوطنه، نعم، فى ثلاثين يونيو، وكان يومها، ولا يزال، ينتصر لدينه ضد المتطرفين والإرهابيين والمتشددين والمتخلفين والمتنطّعين. لكن المستقبل يتطلّب، بل ويستوجب استكمال المعركة للانتصار الخفاق، حيث إنه لا إصلاح سياسيًّا أو اقتصاديًّا دون إصلاح دينى.
والنبى لو قعدنا مئة عام فلن نتقدّم على أى مستوى فى الحرية السياسية والديمقراطية، كما لن نخطو ناحية أى تطوّر اقتصادى يغيّر حياة الناس ويحسّن ظروفهم ويؤمّن مستقبلهم ما دام الشعب يعانى من هذا التضليل الدينى، وما دمنا نترك فلول الإخوان والإرهابيين والسلفيين والجامدين والمتاجرين بالدين والفخورين بجهلهم الدينى يحاولون الوثوب مرة أخرى على العقل المصرى، هؤلاء من متطرّفى وظلاميى العقول من الدعاة والوعاظ لم ينتهوا ولن ينتهوا، مختبئون وكامنون ومترصّدون ومتربّصون ومتأهّبون ومكلّفون ومأجورون لضرب مكتسبات انتصار الإسلام المصرى الذى ظهرت فطرته وفطنته فى ثلاثين يونيو وما بعدها، ورغم هذه الجينات المتجذّرة فى الشخصية المصرية التى تعيد للمصريين رشدهم الدينى فى لحظات الخطر، فإنه متى استمرت سيطرة الفهم المظهرى القشرى الوهابى على مناحى حياتنا فإن انتكاسة دينية قد تعود وتضرب الجذر وتفسد البذر. شوف ومن الآخر، المصريون على الرغم من روعة مناهضتهم للإخوان وكشفهم للمتاجرين بالدين وسلامة ضميرهم الدينى، فإنهم يعانون من انحدار مستوى ثقافتهم الدينية بشكل مذهل.
أولاً، لطبيعة الانهيار الثقافى والتعليمى الذى تعيشه مصر منذ سنوات طويلة.
ثانيًا، لأن الشعب المصرى لا يقرأ فى فضيحة حضارية نحاول أن نداريها عن أنفسنا خجلاً.
ثالثًا، لأن المواطن يحصل على خمسة وتسعين فى المئة من معلوماته الدينية شفويًّا، سواء من الوالد والوالدة، وحالهما لا تفرق كثيرًا عن أبنائهما، أو من الأصدقاء أو من خطب الجمعة أو من برامج الفضائيات أو صوتيات النت ومقاطع «اليوتيوب».
رابعًا، لأن الناس متربيّة على الحفظ والصم، فلا تفكّر ولا تناقش ولا تنقد ولا تنقض.
خامسًا، لأن المواطن لم يتم تدريبه، ولا تعليمه كيفية تحصيل المعلومات وتفنيدها والاستدلال، واستخلاص نتائج والتصرّف بأولويات، ومن هنا كانت وما زالت مصيبتنا سوداء، حيث الأولويات الخاطئة دائمًا.
سادسًا، لأننا ربّينا عيالنا على المذاكرة فى الملخصات والأسئلة النموذجية ونماذج الامتحانات، وعلى معرفة دينهم من الأحاديث التى تضعها الجماعات الإسلامية والإخوان فى هامش صفحة المذكرات أو فى الإجابة عن سؤال تليفونى فى برنامج دينى أو درس جامع بعد الصلاة.
سابعًا، لأن هناك مخطَّطًا منذ السبعينيات من القرن الماضى شارك فيه نظام السادات والجماعة الإسلامية فى الجامعات والمخابرات الأمريكية والسعودية، لنشر ودعم وتجذير الفهم السلفى المتشدّد والقشرى للدين فى المجتمع المصرى (للاطلاع على زاوية من هذا المخطّط اقرأ مذكرات أحد المتورطين حتى ذقنه فى المخطط، وهو عبد المنعم أبو الفتوح)، وتم إنفاق مئات الملايين على هذا المخطَّط، وقد نجح نجاحًا باهرًا فى الحقيقة.
هذا الفهم القشرى السطحى المنغلق المتشدّد للدين يستطيع أن يعطّل مسيرة أى إصلاح سياسى بغلق باب الحرية وضرب منافذ الأمل فى التغيير وتسميم أجواء الإصلاح بالتحريم والتكفير وكسب المعارك فى مواجهة المصلحين عن طريق غسيل العقول وتكفير الخصوم، فلا تضيِّعوا ما صنعنا بما أغفلنا، ولا تفرّطوا فى نصر جاءنا بهزيمة نذهب إليها، ولا تتكاسلوا عن تنظيف مكان الجرح حتى لا يَتَقَيَّح، ولا تناموا فيوقظكم الغيلان، ولا تأمنوا فتفاجئكم «الإخوان». الإصلاح الدينى هو ثورة مصر الحقيقية على نفسها وعلى تخلّف فكر أهلها الدينى وعلى الغزو المتطرّف الإرهابى لأراضيها وعقول مواطنيها.
الإصلاح الدينى هو النجاح الحقيقى، وهو التقدّم الحقيقى، وهو النصر الحقيقى، ثم إنه هو الحقيقة!