انطلقت حملة انتخابات الرئاسة المصرية بين اثنين فقط من المرشحين هما عبدالفتاح السيسى، وحمدين صباحى، واعتبر الكثيرون أن نتيجتها محسومة لصالح «مرشح الدولة» القادم من المؤسسة العسكرية، على خلاف انتخابات 2012 التى بدت أكثر تنوعاً وتعددية من انتخابات هذا الشهر وضمت 13 مرشحاً حصل 5 منهم على أصوات بالملايين.
وإذا كانت انتخابات 2012 أكثر تعددية من حيث أعداد المرشحين من الانتخابات الحالية التى ستحسم بلا إعادة من الجولة الأولى لمن سيحصل على 51% أو 80% من الأصوات، إلا أنها عرفت فى نفس الوقت خلافاً بين مرشحيها على الأسس والقواعد التى تقوم عليها الدولة الوطنية الحديثة، فهناك من كان مشروعه اختطاف الدولة أو تفكيكها، وهناك من جاء من داخل الدولة ودافع عنها كما هى دون أى تغيير أو إصلاح.
والحقيقة أن تحليل خطاب بعض مرشحى الرئاسة فى الانتخابات السابقة كان يدل على استحالة استمرار النظام السابق، فبناء نظام ديمقراطى يتطلب حداً أدنى من التوافق المجتمعى والسياسى على قيم أساسية يتقاسمها فرقاء الساحة السياسية، ولا تجعل وصول أحدهم للسلطة تهديداً لوجود الآخرين.
فحين يصف بعض مرشحى الانتخابات الرئاسية الماضية منافسيهم بأنهم فلول ومخربون ومعادون للإسلام، فهل نتوقع أن يحدث تداول للسلطة بين قوى تدير خلافاتها بهذه الطريقة؟ أم أنه فى ظل انقسام سياسى ومجتمعى يصنف فيه الناس إما كفار أو خونة يستحيل إقامة نظام ديمقراطى، فحين وصف مرسى أثناء فترة الإعادة بينه وبين شفيق أن فوز الأخير سيعنى ثورة ثانية، فإننا لسنا أمام عملية انتخابية ديمقراطية من بديهيات نجاحها هو اعتراف كل طرف بأحقية منافسه فى الوجود والفوز، وليس الدفاع عن ديمقراطية تفصيل، تعترف فقط بنتائج الانتخابات حين يفوز المرشح، ويرفضها فى حال خسارته. والمؤكد أن اتهام مرسى منافسه بأنه فلول ورجل النظام القديم الفاسد وغيرهما من المفردات يدل على أننا أمام عملية سياسية مشوهة، فطالما اتفق الفاعلون السياسيون على المسار الديمقراطى وصندوق الانتخابات كإطار لحل الصراع السياسى فلا مكان للخطاب الثورى والشرعية الثورية كما فعل البعض قبل إعلان نتيجة 2012 وبعدها حين وقف ما سمى بمرشحى الثورة الثلاثة (حمدين صباحى وعبدالمنعم أبوالفتوح وخالد على) يهتفون سوياً بعد خسارتهم الانتخابات فى مظاهرة بميدان التحرير، وبعد فشلهم فى الاتفاق على مرشح واحد يعبر عما سمى «مرشح الثورة».
والمؤكد أن التحول الذى جرى فى مصر بعد 30 يونيو كان أهم ما فيه أنه وضع أساساً جديداً لبناء نظام سياسى ديمقراطى، فهناك دستور توافق عليه أغلب الشعب المصرى، وهناك ساحة للتنافس السياسى بين قوى تتفق على قواعدها الأساسية (رغم وجود الإخوان وحلفائهم خارجها) وانتخابات رئاسية يتوافق مرشحاها على جوهر خريطة الطريق و30 يونيو، ولا يتهمان بعضهما بالخيانة ولا يكفران المخالفين فى الرأى ولا يهينان مؤسسات الدولة ويتآمران على الجيش ويعمل أى منهما على هدم القضاء والشرطة وغيرهما كما حاول مرسى وجماعته.
شكل إدارة انتخابات الرئاسة ومضمون المعركة بين المتنافسين هما اللذان سيحددان فرص نجاح النظام الجديد، فإذا كانت خلافات برامج ورؤى تحت مظلة الدولة الوطنية فإننا سننجح، وإذا أعادت تكرار مشاهد شبيهة بالتى شهدناها فى الانتخابات السابقة فإننا سنفشل، ولكن كل المؤشرات تقول إنه لا يوجد تهديد من قبل مرشحى الرئاسة للإطار الدستورى والسياسى الذى توافق عليه أغلب أطياف المجتمع، ولذا فإن التعثر والنجاح متوقفان على قدرة كل مرشح على تقديم مشروع سياسى يحقق الجانب الأكبر من طموحات الشعب المصرى.