كما كررت عشرات المرات، هذا العمود يهتم بالقصة القصيرة والعلاقات الإنسانية والمقال الاجتماعى، ولا يهتم بالسياسة والأحداث الجارية، لكنى برغم ذلك وجدتنى مضطراً لإعلان موقفى من الأحداث الحالية التى تمر بها مصر، لا يدفعنى لذلك سوى أمانة الكلمة والاعتذار لله، عز وجل.
نعرف كلنا التوجيه المحمدى للصحابة حين أفرطوا فى الثناء على رجل منهم فقال صلى الله عليه وسلم «أهلكتم صاحبكم». ونعرف قوله لرجل أخذته رعدة من حضرته «هوّن عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد».
«أنسنة» السيسى تعنى أن يتذكر أنصاره أنه إنسان يخطئ ويصيب. أخشى ما أخشاه أن يتحول السيسى على يد أنصاره المتحمسين إلى رمز مقدس لا يجوز خدشه ولا انتقاده. أرجوكم لا تنسوا الثمن الباهظ الذى دفعه شهداء الثورة من أعمارهم الغالية وحسرة أمهاتهم عليهم، وآخرون فقدوا عيونهم، من أجل أن يكون لنا كبقية الشعوب المتحضرة «موظف بدرجة رئيس جمهورية»، يجوز معارضته وانتقاده، بلا خوف من جانب ولا تطاول من جانب آخر.
فى تصورى أن سبب الحماسة الشديدة للسيسى هو كراهية الإخوان والخوف من عودة حكمهم. إن شاء الله لن يحدث ذلك أبدا. لقد أثبت الإخوان فشلهم فى إدارة الدولة، وأنهم بلا وهج ولا أفكار مبتكرة. المحزن أننا كلما حاولنا الدفاع عن قيم الحرية والعدالة والديمقراطية بدونا وكأننا ندافع عن الإخوان. ينبغى ألا نسقط فى هذا الفخ فنحن شعب مبدع له تاريخ.
لذلك أرجوكم ألا تفسدوا السيسى بالتقديس المبالغ فيه، فهو بشر فى نهاية الأمر. من منا يتحمل هذا الهوس ثم يحتفظ بتوازنه النفسى؟ لا تصنعوا منه طاغية برفض أى انتقاد له. فهناك أشياء مثيرة للقلق تحدث حولنا ولا تنال العناية الكافية لمجرد الكيد فى الإخوان. منها على سبيل المثال:
أولاً: أقلقنى استخدام السيسى المفرط للدين، وهو الشىء الذى أخذناه على مرسى. أحلم برئيس جمهورية على الطراز الغربى يهتم بمرافق الدولة وتوفير الفرص العادلة ثم يترك الدين ليتعبد كل مواطن ربه بالصورة التى ترضى ضميره.
ثانياً: أربكنى قوله إن مرسى لو كان وافق على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة كان الجيش سيدعمه! فى الوقت الذى يُحاكم فيه مرسى بتهمة التخابر والخيانة؟ فهل كان الجيش سيدعم خائناً؟ لا شك أن هذا الأمر بحاجة إلى تفسير.
ثالثاً: وجهه الحازم حينما قال لإبراهيم عيسى «أنا عارف باعمل إيه؟». هذه إجابة غريبة جداً من مرشح لرئاسة الجمهورية. أليس من حق الشعب أن يعرف ويطمئن إلى وسائله لتحقيق الأهداف؟ لقد ولّى عهد الزعيم الأبوى الذى لا يجوز لنا أن نسأله.
رابعاً: هناك مؤشرات لعودة دولة الفساد أرجو أن تكون غير صحيحة. مثال ذلك القانون الذى يقصر حق التقاضى على طرفى التعاقد؟ أى الدولة والمستثمر. ماذا لو كان كلاهما متواطئين؟
خامساً: أليس مدهشاً أن يدعو السيسى إلى نزول الشعب للتفويض ثم يعتبر التظاهر غير المنضبط إسقاطاً للبلد؟ ألا توجد هنا ازدواجية تبيح له وتحرم على غيره؟
وفى النهاية كلنا نعرف أن السيسى هو رئيس الجمهورية القادم، وندعو الله أن يحقق وعوده وينهض ببلادنا المسكينة. المهم ألا نفسده بالخوف والنفاق والتقديس، ثم بعدها نندب حظنا وننسى أننا من صنعناه.