مجموعة سعودي القانونية

عمرو حمزاوى يكتب | حوار افتراضى عن المشهد الانتخابى

عمرو حمزاوي

هو حوار افتراضى بين أربعة أشخاص؛ رجل خمسينى يتعاطف مع مطالب الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، وشابة فى العشرينيات مهمومة بالاستقرار وتتخوف على عملها ودخلها وحريتها، وأم لطالبين اعتقل أحدهما خلال الأشهر الماضية بسبب مشاركته فى الحراك الطلابى المعارض، ولواء شرطة متقاعد لا يثق إلا فى الانضباط العسكرى ويريد مصر خالية من الإخوان. أربعتهم تجمعهم الرابطة الأسرية على نحو دورى، وقضية حوارهم الافتراضى هى الانتخابات الرئاسية وخلفيات تضارب مواقفهم منها.

•••

أم الطالبين: لن أشارك فى انتخابات، وابنى وكثيرون غيره بين معتقل ومحتجز ومسجون، فقط لأنهم تظاهروا رفضا للأوضاع السياسية الراهنة ولم يتورطوا فى إرهاب أو عنف. لن أشارك فى انتخابات، وحقوق ابنى وغيره مازالت منتهكة وحرياتهم ضائعة وكرامتهم مهانة. لن أشارك فى انتخابات قبل أن يعود لى ابنى وترفع المظالم ويحاسب المسئولون عنها، لن أشارك فى انتخابات قبل أن تعتذر مؤسسات وأجهزة الدولة عن الانتهاكات وتوقفها وتضع ضمانات واضحة لعدم تجددها.

اللواء المتقاعد: هذه الأفكار المسمومة هى تحديدا المسئولة عن اعتقال ابنك! ماذا تريدين؟ ابنك معروف بتعاطفه مع الإخوان وهو يسدد «فاتورة» ذلك، وقد حذرته كثيرا من الأمر ولم يستمع إلى. الآن ستقاطعين الانتخابات، تماما كما طلبت منكم الجماعة ولكى تقضوا على مصر وتواصلوا إضعاف الدولة التى ينهكها الإرهاب. لن تحصلوا على هذا أبدا، وسينتخب المشير السيسى ويقضى على الإخوان ويحقق الاستقرار، وستختفى أفكاركم المسمومة وتعودون إلى الجحور كما كنتم من قبل.

•••

أم الطالبين: غير صحيح، ابنى غير منتمٍ للإخوان ولم يتعاطف إلا مع رفض الظلم والدفاع عن الحق. والفاتورة التى يسددها هى فاتورة الضمير الحى الذى لا يسمح بتجاهل انتهاكات الحقوق والحريات. وسبب مقاطعتى للانتخابات هو هذه الانتهاكات المتكررة، بالإضافة إلى كون نتائج الانتخابات معلومة سلفا بعد أن صنعت الآلة الإعلامية شعبية جارفة لوزير الدفاع السابق وشوهت معارضيه وأصوات الديمقراطية. ولا علاقة لمقاطعتى للانتخابات الرئاسية بموقف جماعة الإخوان، وأنا بالمناسبة لا أشيطن كل المنتمين إليها.

•••

الشابة العشرينية: بعيدا عن مواقفكما الواضحة، مع المقاطعة أو مع السيسى، أنا لم أحسم أمرى إلى اليوم. رغبتى فى الاستقرار وفى تحسن الأوضاع المعيشية والاقتصادية تدفعنى إلى تفضيل انتخاب وزير الدفاع السابق. إلا أن الكثير مما يدور فى مصر اليوم يخيفنى بشدة، عودة القبضة الأمنية فعلا وسيطرة المكون العسكرى ـ الأمنى على الدولة والمجتمع وحكم الفرد الذى نعد له طوال الأشهر الماضية وتدلل عليه حوارات وزير الدفاع السابق. لم أشارك فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ولم أتغاضَ عن انتهاكات حقوق الإنسان المتكررة ولم أساند التفويض الشعبى فى الحرب على الإرهاب لكى نصل إلى هذه النتائج، وليست هذه مصر التى حلمت بها ديمقراطية بعد يناير ٢٠١١ ـ وأنا لم أشارك فى الثورة كما تعلمون، لكنى تعاطفت مع مطالبها بعدها ـ وتمنيت أن تتقدم بعد سقوط الإخوان. أشعر بارتباك شديد وليس لدى تصور واضح عن البرامج والسياسات التى سيطبقها حمدين صباحى لو نجح فى الانتخابات الرئاسية. قد أقاطع أيضا.

اللواء المتقاعد: ابنتى، لا تجعلى هراء الإخوان والطابور الخامس يؤثر عليك. انتخاب المشير السيسى هو الحل الوحيد لإنقاذ الدولة والوطن.

الرجل الخمسينى: قناعاتك سيادة اللواء لا تتغير؛ أنت دائما مع المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، مع الدولة ومؤسساتها، المعارضة تشعرك بقلق ووصول مدنى إلى الرئاسة كابوس يقض مضجعك، وانتخاب السيسى ضرورة وطنية، والإخوان جماعة إرهابية..

•••

اللواء المتقاعد: هذه هى أحكام القضاء المصرى، وليس رأيى الشخصى. هل لديك اعتراض؟

الرجل الخمسينى: ليس ذلك بقضيتى الرئيسية الآن، بل قناعاتك ككل التى تبرر الاستبداد والقبضة الأمنية وانتهاك الحقوق والحريات بأفكار واهية ومختزلة هى قضيتى. فحكم الفرد لم يعد علينا فى مصر ولا على غيرنا بالاستقرار والأمن والتقدم الاقتصادى، والإرهاب والعنف لا يواجهان بنجاح إلا بمزيج من الحلول الأمنية ومن سيادة القانون وضمانات الحقوق والحريات ومن حلول اقتصادية واجتماعية وسياسية. لماذا تصرون على استبعاد ذلك؟ لماذا تضعون آمالكم فى الحاكم الفرد ولا تنظرون إلى العالم من حولنا الذى يتقدم بالعمل الجماعى والمشاركة الشعبية؟ لماذا تتجاهلون أن الحاكم الفرد تستحيل مساءلته أو محاسبته، خصوصا حين يروج له كبطل منقذ، وأن الدول والمجتمعات تستقر بالعدل وسيادة القانون وبالابتعاد عن العقاب الجماعى والانتقام والإقصاء؟

•••

اللواء المتقاعد: لا أفهم منك شيئا. هكذا أنت أيضا دائما، تتحدث فى المبادئ العامة والعموميات ولا تأتى بأفكار محددة عن الفقر والجهل والتخلف والإرهاب وأزمات مصر الأخرى، فقط تسجل مواقف أخلاقية لإراحة ضميرك ثم تذهب إلى منزلك وتترك للقوات المسلحة وللشرطة كل المهام.

الرجل الخمسيني: على العكس تماما، لا أريد من المؤسسة العسكرية أو من الشرطة إلا الأمن والحماية المنصوص عليهما فى الدساتير والقوانين، أرفض تدخلهما فى جميع شئون الدولة والمجتمع. مصر لن تستقر وتتقدم إلا بالديمقراطية، وهذه تعنى تداول السلطة وسيادة القانون وانتخابات دورية جادة وتنافسية لاختيار من يمثلنا. مصر لن تستقر وتتقدم إلا حين نرى مدنيين منتخبين يديرون السياسة ويتعاونون مع المؤسسة العسكرية ومع أجهزة أمنية احترافية ويراقبونها ديمقراطيا. مصر لن تستقر وتتقدم إلا حين تنتهى المظالم ويحاسب المسئولون عنها بغض النظر عن مواقعهم ويواجه الإرهاب والعنف دون عنف رسمى أو انتهاك للحقوق وللحريات. مصر لن تستقر وتتقدم إلا حين يكف الحاكم عن تصديق أنه البطل المنقذ وعن فرض وصايته علينا وكأننا شعب من القصر. مصر لن تستقر وتتقدم، أدرك هذا، إلا تدريجيا لأن الديمقراطية والعدل والحق والحرية لن تأتى إلا تدريجيا. لذلك أعيد أنا أيضا حساباتى بشأن الانتخابات الرئاسية. كنت أنوى مقاطعتها لغياب التنافسية ولهيمنة الصوت الواحد المؤيد للسيسى ولصمت صباحى طويلا عن الانتهاكات. الآن ربما سأشارك وأصوت لصباحى، كمرشح يدافع اليوم عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وكخطوة على مسار طويل. مازلت لم أحسم أمرى.

أم الطالبين والشابة العشرينية: تذكر أن تخبرنا حين تفعل.

اللواء المتقاعد (ضاحكا): مازلت لا أفهم منك شيئا. سأدعو مجلس العائلة للانعقاد للتصويت على معاقبة كل من يقاطع أو يصوت لصباحى. لا أمل فيكم جميعا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *