مجموعة سعودي القانونية

فهمى هويدى يكتب | ثلاث ملاحظات

فهمى-هويدى

لدى ثلاث كلمات أختم بها حوارا مع كاتب جريدة «المصرى اليوم» الذى يوقع باسم «نيوتن» على عموده اليومى. ذلك أنه كان قد كتب فى 7/5 تعليقا على إعلان المشير عبدالفتاح السيسى عن أنه لن يكون للإخوان مكان فى عهده (المتوقع). ووصف الكاتب هذا الكلام بأنه «شديد الخطورة» ثم ألقى عليه بعض الأسئلة التى من بينها: هل هذا ممكن؟ وهل يقدر على ذلك؟ وكيف سيحث الشباب إلى التخلى عن جماعتهم؟ وهل سيدفعهم ذلك إلى اللجوء إلى العمل السرى؟ إلى غير ذلك من التساؤلات التى وصفتها فى مقالة نشرت فى 13/5 بأنها مشروعة ومهمة، وقلت بعد ذلك ما نصه «لا يحتاج المرء لأن يكون إخوانى الهوى لكى يستغرب أو يشكك فى جدوى قرار الشطب، ويحذر من مغبته. حيث يكفى أن يكون لديه عقل سياسى لكى يطرحها، لا حبا فى الإخوان ولكن تعبيرا عن القلق على مستقبل الاستقرار فى الوطن».

هذا الذى قلته لم يعجب الكاتب المحترم، فرد علىّ فى 16/5 بتعليق هو الذى دعانى إلى تسجيل الملاحظات الثلاث. ملاحظتى الأولى تتعلق بقوله أننى حين اعتبرت أسئلته تعبيرا عن القلق على مستقبل الاستقرار فى الوطن، فإننى عمدت إلى تأويل كلامه لكى يتفق مع هواى. وأوضح أنه ليس مشغولا بما ذكرت ولكنه أراد أن يعرف طريقة تفكير المشير السيسى فى تنفيذ ما أعلنه.

كنت أعرف أن الكاتب معارض للإخوان على طول الخط. وهو ما احترمته، وقد أشار إلى أنه كتب عدة مرات فى معارضته لكننى لم أقترب مما ذكره، على حد قوله، وهو ما يدعونى إلى رد مقولته بأننى كتبت أكثر منه فى انتقاد سياسة الدكتور محمد مرسى أثناء وجوده فى السلطة، ولكنه من جانبه نسيه أو تجاهله. وادعى أننى بما كتبت فى 13/5 أردت أن أدلل على أن هناك من يؤيد موقفى. والحقيقة أننى أحسنت الظن به حين تصورت أننا إذا اختلفنا فى أمور عدة فإن استقرار الوطن يشكل نقطة اتفاق تجمعنا. لذلك ظننت أنه بحديثه عن «خطورة» كلام المشير السيسى كان مشغولا بالأثر السلبى الذى يترتب على ذلك فيما يخص استقرار الوطن. ذلك أن شطب أو إبادة فصيل سياسى متجذر فى المجتمع المصرى منذ 85 عاما أمر خطير فعلا قد يكون مكلفا ومؤثرا على استقرار المجتمع. وقد فهمت من رده أن ما ذهبت إليه أمر لا يؤرقه، وأنه حين طرح أسئلته لم يكن يقصد بها الاعتراض على الشطب والإبادة، ولكنه أراد أن يطمئن إلى قدرة المشير السيسى على إنجازهما. وهو إيضاح أشكره عليه لأنه صوَّب نظرتى إلى كتاباته وموقفه.

بعد أن أوضح موقفه من الفكرة، فإنه أراد أن يعلن البراءة من العلاقة. ذلك أنه استغرب إشارتى إليه بكلمة «صاحبنا» قائلا إنه ليست بيننا أية علاقة أو معرفة. ولا أعرف ما إذا كانت ملاحظته تلك على سبيل إزالة الالتباس أو الاستنكار، وإذ أقر بأنه ليس بيننا معرفة أو صداقة أنوِّه إلى أننى أطلقت عليه تلك الصفة تأدبا وتلطفا. وهو ما تعلمناه فى ديننا. ذلك أن القرآن حين تحدث عن علاقة الأنبياء بأقوامهم المنكرين والجاحدين فقد وصف كل واحد منهم فى 14 موضعا بأنه «أخوهم» دون أن تربطه بهم بالضرورة علاقة عضوية تبرر ذلك. ولكنها لغة فى ثقافة تحترم العلاقة الإنسانية وتعلى من قدرها، بصرف النظر عن الاختلاف فى الاعتقاد فما بالك بالاختلاف فى الاجتهاد والنظر السياسى. وقد اهتدى الإمام أبوحامد الغزالى بهذا المعنى فيما كتبه عن «أدب المناظرة» ضمن كتابه «إحياء علوم الدين». إذ حث على امتداح فضائل الطرف الآخر فى المناظرة، باعتبار أن هدفها المرجو هو إظهار الحق. وليس الغلبة والإفحام وغير ذلك من الأمور المذمومة عند الله على حد تعبيره. إضافة إلى ما سبق، فإننى حين وصفت الكاتب بأنه «صاحبنا» على غير معرفة سابقة به فإننى انطلقت ليس فقط من تقدير لعفة لسانه ولتعقله واتزانه فى الكثير مما يكتب، رغم ما بيننا من خلاف، ولكن أيضا لأننى أزعم اقتناعا بما أورده القلقشندى صاحب كتاب «صبح الأعشى» ونقله عن الحسن بن وهب من أن «الكتابة نفس واحدة تجزأت فى أبدان متفرقة». ولا أعرف ما إذا كان ذلك يستحق الاعتذار من جانبى أم لا.

الملحوظة الثالثة أن «صاحبنا» ذكر أننى أقف وحيدا فى الساحة «لا يوجد غيره يقول ما يقول ولا يوجد أحد يمكن أن يساند وجهة نظره».. ثم ختم كلامه قائلا: «أتخيل مأساة أن يكون وحده». ولست واثقا من دقة ما ذكره عن وقوفى وحيدا فى الساحة، إلا أننى لا أنكر أننى لست معنيا بموقعى من السرب، هل أنا منخرط فيه أم بعيد عنه، لأن لى وجهة أخرى أقصدها أخطأت أم أصبت. وترن فى أذنى طول الوقت كلمات الحديث النبوى: لا يكن أحدكم إمَّعة يقول أنا مع الناس إن أحسنوا أحسنت وإن أساءوا أسأت. ولكن وطِّنوا أنفسكم إذا أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم.

علما بأننى لست ممن يرون الأمور إما خطأ وإما صوابا، لأن هناك أكثر من اختلاف فى الصواب، والمذاهب الأربعة عند أهل السنة نموذج لذلك. وأذكر فى النهاية بأن الخلاف لا ينبغى أن يفسد الود أو ينتقص من الاحترام. ونصيب «صاحبنا» من الاثنين محفوظ عندى فى كل الأحوال.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *