مجموعة سعودي القانونية

أيمن الجندى يكتب | جولة سياحية مع مريخى ساذج-1

د.-أيمن-الجندى1

هب أن زائرا مريخيا أراد القيام بجولة سياحية للاطلاع على أحوال أهل الأرض، وتصادف أنك كنت مرشده الذى يفسر له ما غمض عليه من أمورنا. هو بالطبع نحس، وإلا فلماذا أتى إلى مصر دون بلدان العالم! بالتأكيد ستلسع الشمس قفاه فيبحث دون جدوى عن بقعة ظل، وسيكون سؤاله الأول: “لماذا لا تزرعون الأشجار؟”. فتقول له إنها كانت موجودة ولكنهم اجتثوها دون أن يعترض أحد، باعتبار اجتثاث الأشجار حق مكفول للجميع! وفى العالم المتقدم تلتف الطرق وتُلغى المشروعات للحفاظ على شجرة معمرة.

سيقترح واجما أن نرتدى غطاء رأس لكنك ترفض. ستخبره أن ذلك يجلب السخرية فى مجتمعنا. أما ارتداء ربطة عنق خانقة فهو دليل على الأناقة! سيدهشه المنطق المعكوس، لكنه سيواصل الجولة فى صبر. حينما يضع إحدى قدميه على الطريق توشك سيارة مسرعة أن تدهمه فيتراجع غير مصدق بالنجاة. ستخبره أن رحلته من المريخ إلى الأرض تعتبر نزهة بالمقارنة لعبور الطريق هاهنا. أنت تخاطر بحياتك حال نيتك الانتقال من رصيف إلى الرصيف المقابل لذلك تكون فرحتك بالنجاة كبيرة! هذا يجعل للحياة مذاقا رائعا. نيتشه قالها “عيشوا فى خطر” وعندنا فى مصر نحب الفلاسفة وننفذ نصائحهم حرفيا.

سيارات، حافلات، دراجات، عربات كارو، مع الكثير من المتسكعين فى عرض الطريق، كأنهم يعبرون من غرفة النوم إلى الحمام حاملين على أكتافهم فوطة!!. باعة متجولون ومتسولون وأطفال شوارع يقفون فى الإشارات ليلطخوا زجاج سيارتك بفوطة متسخة منتظرين أن تكافئهم على ذلك! ووسط هذا الكرنفال قطط وكلاب وبط وكتاكيت تعبر الطريق فى تمكن واحتراف.

عندنا يصنع كل إنسان ما يروق له. مصر هى المكان الوحيد فى العالم الذى يمكن أن يحدث فيه تصادم بين عربة كارو يجرها حمار بائس وبين سيارة مرسيدس يقودها رجل أنيق، فيتبادلان الشتائم ثم ينصرفان فى سلام نفسى عميق.

سيدهشه تكدس الطرقات بالسيارات، ويسألك عن سبب الإفراط فى استخدامها بديلا عن الدراجات. سيقول فى براءة مريخية عذبة: “هل هى – الدراجات – مصنوعة من سبيكة ثمينة باهظة الثمن؟”.. ستجيبه فى تسامح أرضى: إن الدراجة رخيصة جدا بعكس السيارة التى لا يقل ثمنها عن مائة ألف جنيه، وهو نفس دخلك إذا عملت مدة عشرين سنة دون طعام وشراب.. لن يفهم الفكاهة طبعا وسيصفر فى إعجاب: “يبدو أن قدراتكم خارقة حقا ما دمتم غير قادرين على الاستغناء عن الطعام كل هذه المدة!”.

بعد قليل تبدو الحيرة على وجهه ويسألك: “هل الدراجة ضارة بالصحة فتفضلون تبعا لذلك السيارة؟”، فتقول إن العكس هو الصحيح. استخدام الدراجة مفيد للصحة فى الوقت الذى يؤدى فيه اعتياد استخدام السيارة إلى آلام الظهر والسمنة. وهى أيضا صديقة للبيئة فيما تضخ السيارات أطنان العادم. ستنساب حركة المرور تماما وتصبح الطرقات الضيقة هادئة متسعة.

لا وقود. لا صيانة باستثناء نفخ العجل! هذا غير الخلاص من أعباء الركن فى الشوارع الضيقة والتعامل مع الكهربائى والميكانيكى والحداد ومنادى السيارات، الذى يعتبر أن رفع مساحة سيارتك دليل قاطع أنك مدين له بشىء. هنا سيرتبك ذكاؤه المريخى حينما يحلل المعلومات التى حصل عليها ويتصاعد الدخان من مخه الفضائى حينما يعجز عن تحليل المعلومات!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *