فقدت مصر، وفقدت صحافتها، وفقدت أنا شخصياً صديقاً ومعلماً، هو الأستاذ سعد هجرس.
والعم «سعد» هو «ضمير متحرك» يسير على الأرض، عاشق للتاريخ، مخلص للمهنة، محب لتراب الوطن، شريف فى خصومته، مقنع فى حجته.
تقلب «العم» سعد هجرس بين أفكار اليسار والناصرية، ثم تأثر بموجة المراجعات لتلك الأفكار عالمياً عقب سقوط حائط برلين.
تميز الرجل بحرفية شديدة فى تقنيات المهنة، بمعنى أنه ذلك «الجرنالجى» المحترف الذى يدرك كافة تفاصيل صاحبة الجلالة.
عقب ثورة يناير 2011 جاء صوت العم سعد فى الفضائيات كى يحلل الأحداث بعيداً عن أساليب «الثأر» أو التحجر الأيديولوجى، بل تعامل مع كل الأحداث بموضوعية وانفتاح ومصداقية.
كان العم سعد هجرس من الرموز التى حرص الثوار والمجلس العسكرى على الحوار معها والاستماع إلى أفكارها، فالرجل لم يؤجر عقله أو ضميره للغير، بل كان ما يقوله فى الغرف المغلقة هو ما يذيعه على الهواء فى ذات اليوم على الفضائيات.
تزاملت مع العم سعد أكثر من 20 عاماً وتعلمت منه الكثير، وأذكر أننى كنت فى سفر وأرسلت له مقالاً للنشر، فمنع نشره وهو مدير للتحرير، بينما كنت أتشرف بالعمل معه كرئيس للتحرير وسألته يومها لماذا لم تنشره؟ فقال هذا ضد مصلحتك، لأنك كتبته وأنت منفعل.
هكذا الرجال الذين لا يخشون فى الحق لومة لائم.
عاش العم سعد الأعوام العشرة الأخيرة وهو يحارب بشجاعة ذلك الفيروس اللعين الذى داهم كبده وكنت أتعجب من شجاعته وعناده ضد هذا المرض الخبيث.
منذ 4 أيام تحدثت معه هاتفياً من خارج الوطن، كى أطمئن عليه وكان صوته كالعادة كله تفاؤل وأمل فى الشفاء.
قال لى: مش مهم اللى عندى أنا إن شاء الله هابقى كويس، المهم إن ربنا ياخد بإيد مصر.
رحمك الله يا سيدى، وسبحان الحى الذى لا يموت.
وتقبل الله منه دعاءه لمصر المحروسة بأن تشفى من كل سوء.