لا أنسى محاضرة لأستاذ أمريكى زائر عرض لنا بالتواريخ والتوقيتات والدقائق تدفق المعلومات التى كانت تصل وتخرج من غرفتى صنع القرار فى الاتحاد السوفيتى وفى الولايات المتحدة الأمريكية أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، وكيف أن تشوه ونقص وسوء تفسير المعلومات التى كانت تصل لكل صانع قرار عن الآخر، كادت تؤدى إلى حرب حتمية بين الطرفين ربما يفنى العالم على أثرها.
ومن هنا، اهتم العالم جداً بآليات «التواصل والتسويق السياسى» واعتبروها فرعاً معرفياً يجمع بين علوم النفس والتاريخ، والاجتماع، والعلاقات الدولية، والتفاوض، والإحصاء والنمذجة الرياضية، والإعلام، واللغة، والفلسفة، والدين، والآداب، والرسم، والتوثيق، والتكنولوجيا.
الفلسفة الأساسية حول كل هذا الفرع هو عنوان هذه المقالة: «ضع نفسك مكان الطرف الآخر، وأدرك الفرص والتحديات والتهديدات من وجهة نظره، كى تعرف كيف تتفاعل معه».
قرأت كلاماً مكتوباً على النت ولم أعرف صاحبه، ولكننى أرسلته لمجموعة أصدقاء، فرد أحدهم رداً أعجبنى. قال فيه: «تصدق أنا أول مرة أتخيل كيف يفكر مجند الشرطة. شكراً على الرسالة».
تعالوا نقرأ هذه الرسالة، وفكر ولو قليلاً بمنطق «حط نفسك مكانه» ليس لتتبنى وجهة نظر من يخالفك، ولكن على الأقل لتتفهم أن من يخالفك فى الرأى، ليس بالضرورة، عدواً يريد بك شراً، وإنما هو صديق أخطأ.
لنقرأ هذه الأبيات أولاً:
رسالة من مجند شرطة
إلى سيادة المجاهد الانتحارى
أنا المكفى على الخدمة تلات تيام
وواقف صاحى فى العتمة وغيرى نايم
أنا اللى دولابى فى المخلا وجسمى عليل ولا بيخلا..
آلام ف آلام دانا المكفى على الخدمة تلات تيام
دانا اللى معاك على أعاديك..
وساعة الجد أنا أفديك
لكنك عادى تشتمنى..
وأنا المكفى على الخدمة تلات تيام
سيادة المجاهد الانتحارى أنا سيادتك ماسبتش فرض..
وبصلى فى خدمتى على الأرض..
وبفطر فول وبصلاية وبتسحر على جرايا وبحمى العرض..
وبحلم بس إنى أنام..
دانا المكفى على الخدمة تلات تيام..
وأنا صايم بترمونى فى وسط النار..
فليه إنت تصنفنى من الكفار يا محسوب كدب على الإسلام..
يا رب تفوق من الأوهام وماتنساش..
أنا المكفى على الخدمة تلات تيام.
أختم بقصة: قاتل على بن أبى طالب، رضى الله عنه، الخوارج وقاتلوه، ثم قتلوه، ولما سئل من قبل بعض الناس عنهم أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا، فقالوا: أفمنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً -أى هؤلاء يذكرون الله كثيراً- قيل: فما هم يا أمير المؤمنين؟ قال: إخواننا بغوا علينا، فقاتلناهم ببغيهم علينا.
عموماً محاولة استخدام الحكمة لعلاج مشاكل مجتمع يعشق الغوغائية قد يكون قراراً غير حكيم، فى حد ذاته.