بينما «داعش» تجتاح أرض العراق… فتلتهم الموصل وتقف على أبواب بغداد…
كان القاضى فى مقر المحكمة بمعهد أمناء الشرطة يصدر حكما بالسجن 15 سنة على 25 من شباب تراوحت مشاركتهم فى الثورة بين الفاعلية الكبيرة والمساندة وغيرها من أشكال الارتباط بأكبر خروج من أجل التغيير فى تاريخ مصر المعاصر…
وبينهما قرر السيسى أن يكون خروجه الأول بعد احتفالات الرئاسة لزيارة ضحية الاغتصاب الجماعى فى ميدان التحرير….
كلها مشاهد غير اعتيادية… فمن يقول إن ميليشيات الإرهاب تلتهم دولة مثل العراق كما يحدث فى الأفلام التاريخية… أو أن يقضى شاب 15 سنة من عمره فى السجن، لأنه تظاهر (دون ترخيص) وبعد سقوط نظام كامل بالتظاهرات… ومن يقول إن أعلى رأس فى النظام يتحرك من مكانه ليعتذر لضحية عن فعل أنكرته أو تجاهلته الأنظمة التى ما زالت تترك بقايا داخل النظام الجديد…
إنها مشاهد جديدة… وتسير كل منها فى تقاطعات أو ترسل رسائل متضاربة.. أو متناقضة… لكنها جميعا تؤكد أننا ما زلنا فى لحظة الصراع… وأن رغبات التغيير لم تدفن فى بحر الرمال المتحركة… كما أن لحظة الحسم لم تصل بعد…فالديمقراطية المبينة على الحصص الطائفية وتمت بالدبابات الأمريكية لم تصمد أمام الإرهاب، بل إن جثة البعث وجيشه تستعد لليقظة… وفى نفس الوقت تنكشف بسهولة خرافة اعتدال أو تسامح أو تحديث أى خطاب إسلامى أو يعتمد على فكرة «الحكم الإسلامى».. فنحن نرى الشبح حاضرا فى حرب «داعش»…وميليشياتها التى تستخدم أسلحة حديثة لتدفن الدول التى أفرغها الاستبداد من كل مقومات البقاء.
استبداد دولة ما بعد الاستعمار يهزم فى العراق بميليشيات تبشر باستبداد متوحش طبعة «الصحوة الإسلامية»…
كما أن مؤسسات الدولة القديمة فى مصر تتصرف على أنها طوائف مهنية تدافع عن نفسها، وتدخل حرب استعادة سيطرتها فتتصرف بما يثير أسئلة متوترة عن العدالة ومؤسستها وضوابطها… والمسافة بين الدفاع عن «المؤسسة/الطائفة» وبين العدالة ومهنيتها وحيادها فى الصراع السياسى…
الأحكام الصادرة مؤخرا من (الإعدام إلى الأحكام المشددة) تبنى فى أغلبها على السيطرة لا الحريات والحقوق/ أى أن العدالة تأتى هنا فى مرتبة متأخرة وراء أهداف يطول شرحها…
وهذا ما يصدم فى زيارة السيسى لضحية التحرير لأنها تكشف عجز أجهزة النظام وخداعها لذاتها وللمجتمع… فالأجهزة التى ظلت تنكر سنوات التحرش بالنساء وتكذب حفلات الجنس الجماعى أو تبررها لأسباب سياسية أو بسبب الجوع الجنسى… تبدو عاجزة ومكشوفة بزيارة السيسى الذى قدم اعتذارا لأول مرة.. (بعد فشل زيارات وزير الصحة ووزيرة التضامن فى توصيل الرسالة أو تحقيق الهدف المرجو… لأنهما ينتميان إلى زمن الركود والغوص فى الرمال)..
اعتذار لو بقى منه فقط الجانب العاطفى لأصبح بلا معنى أو بحثا عن استعراض، لكنه يرتبط بالقيم الغائبة عن أجهزة دولة تسعى لترميم واجهاتها أو بناء واجهات جديدة…
الدولة التى تعودت احتقار الفرد مطالبة الآن بإجراءات تحمى هذا الفرد من الاعتداءات الجسدية، والسيسى الذى زار الضحية عليه مهمة ضبط أجهزته لتتوقف فورا عن الاعتداءات الجنسية فى السجون والأقسام… لأن جريمة الاعتداء على ضحية التحرير لو ارتبطت بالشرف أو العرض فإنها ستصغر أو تصبح ذريعة قمع أو عنف أمنى جديد… لكنها لا بد أن ترتبط بحرية وحق الجسد وحمايته من الاعتداء عليه….
المسافة بين السيسى وأجهزته يمكن أن يتخيل أحد أنها ستملأ بخطابات عاطفية تمارس حنانها المجانى….
لكن هذا يجعل الدولة سهلة أمام جنون طوائفها أو توحش ميليشيات «الصحوة الكاذبة» للحكم الإسلامى…
وهنا إن لم نستوعب الزمن.. فالغرق مصيرنا فى الرمال المتحركة.